صدقة جارية
تفسير اية رقم ١_١٥
من سورة القيامة
﷽
﴿لَاۤ أُقۡسِمُ بِیَوۡمِ ٱلۡقِیَـٰمَةِ (١) وَلَاۤ أُقۡسِمُ بِٱلنَّفۡسِ ٱللَّوَّامَةِ (٢) أَیَحۡسَبُ ٱلۡإِنسَـٰنُ أَلَّن نَّجۡمَعَ عِظَامَهُۥ (٣) بَلَىٰ قَـٰدِرِینَ عَلَىٰۤ أَن نُّسَوِّیَ بَنَانَهُۥ (٤) بَلۡ یُرِیدُ ٱلۡإِنسَـٰنُ لِیَفۡجُرَ أَمَامَهُۥ (٥) یَسۡـَٔلُ أَیَّانَ یَوۡمُ ٱلۡقِیَـٰمَةِ (٦) فَإِذَا بَرِقَ ٱلۡبَصَرُ (٧) وَخَسَفَ ٱلۡقَمَرُ (٨) وَجُمِعَ ٱلشَّمۡسُ وَٱلۡقَمَرُ (٩) یَقُولُ ٱلۡإِنسَـٰنُ یَوۡمَىِٕذٍ أَیۡنَ ٱلۡمَفَرُّ (١٠) كَلَّا لَا وَزَرَ (١١) إِلَىٰ رَبِّكَ یَوۡمَىِٕذٍ ٱلۡمُسۡتَقَرُّ (١٢) یُنَبَّؤُا۟ ٱلۡإِنسَـٰنُ یَوۡمَىِٕذِۭ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ (١٣) بَلِ ٱلۡإِنسَـٰنُ عَلَىٰ نَفۡسِهِۦ بَصِیرَةࣱ (١٤) وَلَوۡ أَلۡقَىٰ مَعَاذِیرَهُۥ (١٥)﴾ [القيامة ١-١٥]
تَفْسِيرُ سُورَةِ الْقِيَامَةِوَهِيَ مَكِّيَّةٌ.بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
* * *قَدْ تَقَدَّمَ غَيْرَ مَرَّةٍ أَنَّ الْمُقْسَمَ عَلَيْهِ إِذَا كَانَ مُنْتَفِيًا، جَازَ الْإِتْيَانُ بِلَا قَبْلَ الْقَسَمِ لِتَأْكِيدِ النَّفْيِ. وَالْمَقْسُومُ عَلَيْهِ هَاهُنَا هُوَ إِثْبَاتُ الْمِيعَادِ، وَالرَّدُّ عَلَى مَا يَزْعُمُهُ الْجَهَلَةُ مِنَ الْعِبَادِ مِنْ عَدَمِ بَعث الْأَجْسَادِ؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: ﴿لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ﴾ قَالَ الْحَسَنُ: أَقْسَمَ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ وَلَمْ يُقْسِمْ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ. وَقَالَ قَتَادَةُ: بَلْ أَقْسَمَ بِهِمَا جَمِيعًا. هَكَذَا(١) حَكَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ. وَقَدْ حَكَى ابْنُ جَرِيرٍ، عَنِ الْحَسَنِ وَالْأَعْرَجِ أَنَّهُمَا قَرَآ: "لَأُقْسِمُ [بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ](٢) "، وَهَذَا يُوَجِّهُ قَوْلَ الْحَسَنِ؛ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ الْقَسَمَ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ وَنَفَى الْقَسَمَ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ أَقْسَمَ بِهِمَا جَمِيعًا كَمَا قَالَهُ قَتَادَةُ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَير، وَاخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ.فَأَمَّا يَوْمُ الْقِيَامَةِ فَمَعْرُوفٌ، وَأَمَّا النَّفْسُ اللَّوَّامَةُ، فَقَالَ قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: إِنَّ الْمُؤْمِنَ -وَاللَّهِ-مَا نَرَاهُ إِلَّا يَلُومُ نَفْسَهُ: مَا أَرَدْتُ بِكَلِمَتِي؟ مَا أَرَدْتُ بِأَكْلَتِي؟ مَا أَرَدْتُ بِحَدِيثِ نَفْسِي؟ وَإِنَّ الْفَاجِرَ يَمْضِي قُدُما مَا يُعَاتِبُ نَفْسَهُ.وَقَالَ جُوَيْبر: بَلَغَنَا عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ﴾ قَالَ: ليس أحد من أهل السموات وَالْأَرْضِ إِلَّا يَلُومُ نَفْسَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحِ بْنِ(٣) مُسْلِمٍ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ سِماك: أَنَّهُ سَأَلَ عِكْرِمة عَنْ قَوْلِهِ: ﴿وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ﴾ قَالَ: يَلُومُ(٤) عَلَى الخير والشر: لو فعلت كذا وكذا.وَرَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ، عَنْ أَبِي كُرَيْب، عَنْ وَكِيع عَنْ إِسْرَائِيلَ.(٥)وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُؤَمَّلٌ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ جُرَيج، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَير فِي: ﴿وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ﴾ قَالَ: تَلُومُ عَلَى الْخَيْرِ وَالشَّرِّ.ثُمَّ رَوَاهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ سَعِيدٍ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ ذَلِكَ: فَقَالَ: هي النفس اللؤوم.(٦)وقال علي ابن أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: تَنْدَمُ عَلَى مَا فَاتَ وَتَلُومُ عَلَيْهِ.وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: اللَّوَّامَةُ: الْمَذْمُومَةُ.وَقَالَ قَتَادَةُ: ﴿اللَّوَّامَةِ﴾ الْفَاجِرَةِ.قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: وَكُلُّ هَذِهِ الْأَقْوَالِ مُتَقَارِبَةُ الْمَعْنَى، الْأَشْبَهُ بِظَاهِرِ التَّنْزِيلِ أَنَّهَا الَّتِي تَلُومُ صَاحِبَهَا عَلَى الْخَيْرِ وَالشَّرِّ وَتَنْدَمُ عَلَى مَا فَاتَ.
* * *وَقَوْلُهُ: ﴿أَيَحْسَبُ الإنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ﴾ أَيْ: يَوْمَ الْقِيَامَةِ، أَيُظَنُّ أَنَّا لَا نَقْدِرُ عَلَى إِعَادَةِ عِظَامِهِ وَجَمْعِهَا مِنْ أَمَاكِنِهَا الْمُتَفَرِّقَةِ؟ ﴿بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ﴾ قَالَ سَعِيدِ بْنِ جُبَير والعَوفي، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنْ نَجْعَلَهُ(٧) خُفّا أَوْ حَافِرًا. وَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ، وَعِكْرِمَةُ، وَالْحَسَنُ، وَقَتَادَةُ، وَالضَّحَّاكُ، وَابْنُ جَرِيرٍ. ووجَّهه ابنُ جَرِيرٍ بِأَنَّهُ تَعَالَى لَوْ شَاءَ لَجَعَلَ ذَلِكَ فِي الدُّنْيَا.وَالظَّاهِرُ مِنَ الْآيَةِ أَنَّ قَوْلَهُ: ﴿قَادِرِينَ﴾ حَالٌ مِنْ قَوْلِهِ: ﴿نَجْمَعَ﴾ أَيْ: أَيُظَنُّ الْإِنْسَانُ أَنَا لَا نَجْمَعُ عِظَامَهُ؟ بَلَى سَنَجْمَعُهَا قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّي بَنَانَهُ، أَيْ: قُدْرَتُنَا صَالِحَةٌ لِجَمْعِهَا، ولو شئنا لبعثناه أزيد مما كان، فتجعل بَنَانَهُ -وَهِيَ أَطْرَافُ أَصَابِعِهِ-مُسْتَوِيَةً. وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ قُتَيْبَةَ، وَالزَّجَّاجِ.
* * *وَقَوْلُهُ: ﴿بَلْ يُرِيدُ الإنْسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ﴾ قَالَ سَعِيدٌ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: يَعْنِي يَمْضِي قُدُمًا.وَقَالَ الْعَوْفِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ﴾ يَعْنِي: الْأَمَلَ، يَقُولُ الْإِنْسَانُ: أَعْمَلُ ثُمَّ أَتُوبُ قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَيُقَالُ: هُوَ الْكُفْرُ بِالْحَقِّ بَيْنَ يَدَيِ الْقِيَامَةِ.وَقَالَ مُجَاهِدٌ ﴿لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ﴾ لِيَمْضِيَ أَمَامَهُ رَاكِبًا رَأْسَهُ. وَقَالَ الْحَسَنُ: لَا يُلْقَى ابْنُ آدَمَ إِلَّا تَنْزِعُ نَفْسَهُ إِلَى مَعْصِيَةِ اللَّهِ قُدُمًا قُدُمًا، إِلَّا مَنْ عَصَمَهُ اللَّهُ.ورُوي عَنْ عكرِمة، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَير، وَالضَّحَّاكِ، وَالسُّدِّيِّ، وَغَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ: هُوَ الَّذِي يَعجَل الذنوبَ ويُسوّف التَّوْبَةَ.وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: هُوَ الْكَافِرُ يُكَذِّبُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ. وَكَذَا قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، وَهَذَا هُوَ الْأَظْهَرُ مِنَ الْمُرَادِ؛ وَلِهَذَا قَالَ بَعْدَهُ ﴿يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ﴾ ؟ أَيْ: يَقُولُ مَتَى يَكُونُ يوم الْقِيَامَةِ؟ وَإِنَّمَا سُؤَالُهُ سُؤَالُ اسْتِبْعَادٍ لِوُقُوعِهِ، وَتَكْذِيبٌ لِوُجُودِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ قُلْ لَكُمْ مِيعَادُ يَوْمٍ لَا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً وَلا تَسْتَقْدِمُونَ﴾ [سبأ: ٢٩، ٣٠] .وقال تعالى ها هنا: ﴿فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ﴾ قَالَ أَبُو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ: ﴿بَرِقَ﴾ بِكَسْرِ الرَّاءِ، أَيْ: حَارَ. وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ شَبِيهٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ﴾ [إِبْرَاهِيمَ: ٤٣] ، بَلْ يَنْظُرُونَ مِنَ الْفَزَعِ هَكَذَا وَهَكَذَا، لَا يَسْتَقِرُّ لَهُمْ بَصَرٌ عَلَى شَيْءٍ؛ مِنْ شِدَّةِ الرُّعْبِ.وَقَرَأَ آخَرُونَ: "بَرَقَ" بِالْفَتْحِ، وَهُوَ قَرِيبٌ فِي الْمَعْنَى مِنَ الْأَوَّلِ. وَالْمَقْصُودُ أَنَّ الْأَبْصَارَ تَنْبَهِرُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَتَخْشَعُ وَتَحَارُ وَتَذِلُّ مِنْ شِدَّةِ الْأَهْوَالِ، وَمَنْ عِظَمِ مَا تُشَاهِدُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْأُمُورِ.
* * *وَقَوْلُهُ: ﴿وَخَسَفَ الْقَمَرُ﴾ أَيْ: ذَهَبَ ضَوْءُهُ.﴿وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ﴾ قَالَ مُجَاهِدٌ: كُوّرا. وَقَرَأَ ابْنُ زَيْدٍ عِنْدَ تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ: ﴿إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ﴾ [التَّكْوِيرِ: ١، ٢] ورُوي عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَرَأَ: "وجُمع بَيْنَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ".
* * *وَقَوْلُهُ: ﴿يَقُولُ الإنْسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ﴾ أَيْ: إِذَا عَايَنَ ابنُ آدَمَ هَذِهِ الْأَهْوَالَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، حِينَئِذٍ يُرِيدُ أَنْ يَفِرَّ وَيَقُولُ: أَيْنَ الْمَفَرُّ؟ أَيْ: هَلْ مِنْ مَلْجَأٍ أَوْ مَوْئِلٍ؟ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿كَلا لَا وَزَرَ إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ﴾ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَير، وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ: أَيْ لَا نَجَاةَ.وَهَذِهِ كَقَوْلِهِ: ﴿مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ﴾ [الشُّورَى: ٤٧] أَيْ: لَيْسَ لَكُمْ مَكَانٌ تَتَنَكَّرُونَ فِيهِ، وَكَذَا قَالَ هَاهُنَا ﴿لَا وَزَرَ﴾ أَيْ: لَيْسَ لَكُمْ مَكَانٌ تَعْتَصِمُونَ فِيهِ؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ﴾ أَيِ: الْمَرْجِعُ وَالْمَصِيرُ.ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: ﴿يُنَبَّأُ الإنْسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ﴾ أَيْ: يُخْبَرُ بِجَمِيعِ أَعْمَالِهِ قَدِيمِهَا وَحَدِيثِهَا، أَوَّلِهَا وَآخِرِهَا، صَغِيرِهَا وَكَبِيرِهَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا﴾ [الْكَهْفِ: ٤٩] وَهَكَذَا قَالَ هَاهُنَا: ﴿بَلِ الإنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ﴾ أَيْ: هُوَ شَهِيدٌ عَلَى نَفْسِهِ، عَالِمٌ بِمَا فَعَلَهُ وَلَوِ اعْتَذَرَ وَأَنْكَرَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا﴾ [الْإِسْرَاءِ: ١٤] .وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿بَلِ الإنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ﴾ يَقُولُ: سمعُه وبصرُه وَيَدَاهُ وَرِجْلَاهُ وجوارحُه.وَقَالَ قَتَادَةُ: شَاهِدٌ عَلَى نَفْسِهِ. وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ: إِذَا شِئْتَ -وَاللَّهِ-رَأَيْتَهُ بَصِيرًا بِعُيُوبِ النَّاسِ وَذُنُوبِهِمْ غَافِلًا عَنْ ذُنُوبِهِ، وَكَانَ يُقَالُ: إِنَّ فِي الْإِنْجِيلِ مَكْتُوبًا: يَا ابْنَ آدَمَ، تُبصر القَذَاة فِي عَيْنِ أَخِيكَ، وَتَتْرُكُ الجِذْل(٨) فِي عينك لا تبصره.وَقَالَ مُجَاهِدٌ: ﴿وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ﴾ وَلَوْ جَادَلَ عَنْهَا فَهُوَ بَصِيرٌ عَلَيْهَا. وَقَالَ قَتَادَةُ: ﴿وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ﴾ وَلَوِ اعْتَذَرَ يَوْمَئِذٍ بِبَاطِلٍ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: ﴿وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ﴾ حُجَّتَهُ. وَكَذَا قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَغَيْرُهُمْ. وَاخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ.وَقَالَ قَتَادَةُ، عَنْ زُرَارَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ﴾ يَقُولُ: لَوْ أَلْقَى ثِيَابَهُ.وَقَالَ الضَّحَّاكُ: وَلَوْ أَرْخَى سُتُورَهُ، وَأَهْلُ الْيَمَنِ يُسَمَّوْنَ السِّتْرَ: الْمِعْذَارَ.وَالصَّحِيحُ قَوْلُ مُجَاهِدٍ وَأَصْحَابِهِ، كَقَوْلِهِ: ﴿ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ﴾ [الْأَنْعَامِ: ٢٣] وَكَقَوْلِهِ ﴿يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ﴾ [الْمُجَادَلَةِ: ١٨] .وَقَالَ الْعَوْفِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ﴿وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ﴾ هِيَ الِاعْتِذَارُ(٩) أَلَمْ تَسْمَعْ أَنَّهُ قَالَ: ﴿لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ﴾ [غَافِرٍ: ٥٢] وَقَالَ ﴿وَأَلْقَوْا إِلَى اللَّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ﴾ [النَّحْلِ: ٨٧] ﴿فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ﴾ [النَّحْلِ: ٢٨] وَقَوْلُهُمْ ﴿وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ﴾
(١) في م: "كذا".
(٢) زيادة من م.
(٣) في م: "عن".
(٤) في م: "تلوم".
(٥) تفسير الطبري (٢٩/١٠٩) .
(٦) تفسير الطبري (٢٩/١٠٩) .
(٧) في أ: "أن نحوله".
(٨) في م: "وتترك الجذع".
(٩) في أ: "هي الأعذار".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق