المتابعون

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 13 يوليو 2023

من سورة الأعراف

صدقة جارية 
تفسير اية رقم ٢٧
من سورة الأعراف 
﴿یَـٰبَنِیۤ ءَادَمَ لَا یَفۡتِنَنَّكُمُ ٱلشَّیۡطَـٰنُ كَمَاۤ أَخۡرَجَ أَبَوَیۡكُم مِّنَ ٱلۡجَنَّةِ یَنزِعُ عَنۡهُمَا لِبَاسَهُمَا لِیُرِیَهُمَا سَوۡءَ ٰ⁠ تِهِمَاۤۚ إِنَّهُۥ یَرَىٰكُمۡ هُوَ وَقَبِیلُهُۥ مِنۡ حَیۡثُ لَا تَرَوۡنَهُمۡۗ إِنَّا جَعَلۡنَا ٱلشَّیَـٰطِینَ أَوۡلِیَاۤءَ لِلَّذِینَ لَا یُؤۡمِنُونَ﴾ [الأعراف ٢٧]

القول في تأويل قوله: ﴿يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنزعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا﴾قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: يا بني آدم، لا يخدعنكم الشيطان فيبدي سوءاتكم للناس بطاعتكم إياه عند اختباره لكم، كما فعل بأبويكم آدم وحواء عند اختباره إياهما فأطاعاه وعصيا ربهما، فأخرجهما بما سبَّب لهما من مكره وخدعه، من الجنة، ونزع عنهما ما كان ألبسهما من اللباس، ليريهما سوءاتهما بكشف عورتهما، وإظهارها لأعينهما بعد أن كانت مستترةً.
* * *وقد بينا فيما مضى أن معنى"الفتنة"، الاختبار والابتلاء، بما أغنى عن إعادته.(١)
* * *وقد اختلف أهل التأويل في صفة"اللباس" الذي أخبر الله جل ثناؤه أنه نزعه عن أبوينا، وما كان.فقال بعضهم: كان ذلك أظفارًا.
* ذكر من لم يذكر قوله فيما مضى من كتابنا هذا في ذلك:١٤٤٥١- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يحيى بن آدم، عن شريك، عن عكرمة: ﴿ينزع عنهما لباسهما﴾ ، قال: لباس كل دابة منها، ولباس الإنسان الظُّفر، فأدركت آدم التوبة عند ظُفُره = أو قال: أظفاره.١٤٤٥٢- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عبد الحميد الحماني، عن نضر أبي عمر، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: تركت أظفاره عليه زينة ومنافع، في قوله: ﴿ينزع عنهما لباسهما﴾ .(٢)١٤٤٥٣- حدثني أحمد بن الوليد القرشي قال، حدثنا إبراهيم بن أبي الوزير قال، أخيرنا مخلد بن الحسين، عن عمرو بن مالك، عن أبي الجوزاء، عن ابن عباس في قوله: ﴿ينزع عنهما لباسهما﴾ ، قال: كان لباسهما الظفر، فلما أصابا الخطيئة نزع عنهما، وتركت الأظفار تذكرة وزينة.١٤٤٥٤- حدثني المثنى قال، حدثنا الحماني قال، حدثنا شريك، عن سماك، عن عكرمة في قوله: ﴿ينزع عنهما لباسهما﴾ ، قال: كان لباسه الظفر، فانتهت توبته إلى أظفاره.
* * *وقال آخرون: كان لباسهما نورًا.
* ذكر من قال ذلك:١٤٤٥٥- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن عيينة، عن عمرو، عن وهب بن منبه: ﴿ينزع عنهما لباسهما﴾ ، النور.١٤٤٥٦- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله بن الزبير، عن ابن عيينة قال، حدثنا عمرو قال، سمعت وهب بن منبه يقول في قوله: ﴿ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوءاتهما﴾ ، قال: كان لباس آدم وحواء نورًا على فروجهما، لا يرى هذا عورة هذه، ولا هذه عورة هذا.
* * *وقال آخرون: إنما عنى الله بقوله: ﴿ينزع عنهما لباسهما﴾ ، يسلبهما تقوى الله.
* ذكر من قال ذلك:١٤٤٥٧- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا مطلب بن زياد، عن ليث، عن مجاهد: ﴿ينزع عنهما لباسهما﴾ ، قال: التقوى.(٣)١٤٤٥٨- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يحيى بن آدم، عن شريك، عن ليث، عن مجاهد: ﴿ينزع عنهما لباسهما﴾ ، قال: التقوى.١٤٤٥٩- حدثني المثنى قال، حدثنا الحماني قال، حدثنا شريك، عن ليث، عن مجاهد، مثله.
* * *قال أبو جعفر: والصواب من القول في تأويل ذلك عندي أن يقال: إن الله تعالى حذر عباده أن يفتنهم الشيطان كما فتن أبويهم آدم وحواء، وأن يجرِّدهم من لباس الله الذي أنزله إليهم، كما نزع عن أبويهم لباسهما."اللباس" المطلق من الكلام بغير إضافة إلى شيء في متعارف الناس، وهو ما اجتابَ فيه اللابس من أنواع الكُسي،(٤) أو غطى بدنه أو بعضه.وإذ كان ذلك كذلك، فالحق أن يقال: إن الذي أخبر الله عن آدم وحواء من لباسهما الذي نزعه عنهما الشيطان، هو بعض ما كانا يواريان به أبدانهما وعوْرَتهما.وقد يجوز أن يكون ذلك كان ظفرًا= ويجوز أن يكون كان ذلك نورًا = ويجوز أن يكون غير ذلك = ولا خبر عندنا بأيِّ ذلك تثبت به الحجة، فلا قول في ذلك أصوب من أن يقال كما قال جلّ ثناؤه: ﴿ينزع عنهما لباسهما﴾ .
* * *وأضاف جل ثناؤه إلى إبليس إخراجَ آدم وحواء من الجنة، ونزعَ ما كان عليهما من اللباس عنهما، وإن كان الله جل ثناؤه هو الفاعل ذلك بهما عقوبة على معصيتهما إياه، إذ كان الذي كان منهما في ذلك عن تسْنيةِ ذلك لهما بمكره وخداعه،(٥) فأضيف إليه أحيانًا بذلك المعنى، وإلى الله أحيانًا بفعله ذلك بهما.
* * *القول في تأويل قوله: ﴿إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ (٢٧) ﴾قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بذلك: إن الشيطان يراكم هو= و"الهاء" في"إنه" عائدة على الشيطان = و"قبيله"، يعني: وصنفه وجنسه الذي هو منه واحدٌ جمع جيلا(٦) وهم الجن، كما:-١٤٤٦٠- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد، قوله: ﴿إنه يراكم هو وقبيله﴾ ، قال: الجن والشياطين.١٤٤٦١- حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: ﴿إنه يراكم هو وقبيله﴾ ، قال:"قبيله"، نسله.
* * *وقوله: ﴿من حيث لا ترونهم﴾ ، يقول: من حيث لا ترون أنتم، أيها الناس، الشيطان وقبيله = ﴿إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون﴾ ، يقول: جعلنا الشياطين نُصراء الكفار الذين لا يوحِّدون الله ولا يصدقون رسله.(٧)

(١) انظر تفسير ((الفتنة)) فيما سلف ١١: ٣٨٨، تعليق: ١، والمراجع هناك.
(٢) الأثر: ١٤٤٥٢ - ((عبد الحميد الحماني)) هو ((عبد الحميد بن عبد الرحمن الحماني)) ، مضى برقم: ٧١٨، ٧٨٦٣.
و ((نضر، أبو عمر)) هو ((النضر بن عبد الرحمن)) ، أبو عمر الخراز، مضى أيضًا برقم ٧١٨، ١٠٣٧٣، وكان في المطبوعة: ((نصر بن عمر)) ، غير ما في المخطوطة، وهو فيها: ((نصر أبي عمر)) ، غير منقوطة.
(٣) الأثر: ١٤٤٥٧ - ((مطلب بن زياد بن أبي زهير الثقفي)) ، قال ابن سعد: ((كان ضعيفًا في الحديث جدًا)) ، وقال ابن عدي: ((وله أحاديث حسان وغرائب، ولم أر له منكرًا، وأرجو أنه لا بأس به)) . مترجم في التهذيب، والبخاري في الكبير ٤ / ٢ / ٨، ولم يذكر فيه جرحًا، وابن أبي حاتم ٤ /١ / ٣٦٠، وذكر أن أحمد ويحيى بن معين وثقا. وقال أبو حاتم: ((يكتب حديثه، ولا يحتج به)) .
(٤) في المطبوعة: ((هو ما اختار فيه اللابس من أنواع الكساء)) ، ولم يحسن قراءة المخطوطة، فغير كما سلف قريبًا، فرددتها إلى أصلها.
وقوله: ((اجتاب فيه اللابس)) ، أدخل ((فيه)) مع ((اجتاب)) ، وهو صحيح في قياس العربية، لأنهم قالوا: ((اجتاب الثوب والظلام)) ، إذا دخل فيهما، فأعطى ((اجتاب)) معنى ((دخل)) ، فألحق بها حرف الجر، لمعنى الدخول.
(٥) في المطبوعة: ((عن تسبيه ذلك لهما)) ، ولا معنى له، وهو في المخطوطة غير منقوط، وهذا صواب قراءته، ((سنى له الأمر)) ، سهله ويسره وفتحه.
(٦) في المطبوعة: ((الذي هو منه واحد جمعه قبل)) ، غير ما في المخطوطة، وفي المخطوطة كما كتبتها، إلا انه كتب ((صلا)) و ((الجيم)) بين القاف والجيم غير المنقوطة. واستظهرت هذا من نص أبي عبيدة في مجاز القرآن ١: ٢١٣، وهو: ((أي: وجيله الذي هو منه)) ، ومن نص صاحب لسان العرب: ((ويقال لكل جمع من شيء واحد، قبيل)) . و ((الجيل)) كل صنف من الناس، أو الأمة. يقال: ((الترك جيل، والصين جيل، والعرب جيل، والروم جيل)) ، وهم كل قوم يختصون بلغة، وتنشأ من جمعهم أمة وصنف من الناس موصوف معروف.
(٧) انظر تفسير ((ولي)) فيما سلف من فهارس اللغة (ولي) .

(تفسير الطبري — ابن جرير الطبري (٣١٠ هـ))

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق