المتابعون

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 8 سبتمبر 2022

من سورة ال عمران

صدقة جارية 
تفسير اية رقم ٨١_٨٢ 
من سورة ال عمران 
﴿وَإِذۡ أَخَذَ ٱللَّهُ مِیثَـٰقَ ٱلنَّبِیِّـۧنَ لَمَاۤ ءَاتَیۡتُكُم مِّن كِتَـٰبࣲ وَحِكۡمَةࣲ ثُمَّ جَاۤءَكُمۡ رَسُولࣱ مُّصَدِّقࣱ لِّمَا مَعَكُمۡ لَتُؤۡمِنُنَّ بِهِۦ وَلَتَنصُرُنَّهُۥۚ قَالَ ءَأَقۡرَرۡتُمۡ وَأَخَذۡتُمۡ عَلَىٰ ذَ ٰ⁠لِكُمۡ إِصۡرِیۖ قَالُوۤا۟ أَقۡرَرۡنَاۚ قَالَ فَٱشۡهَدُوا۟ وَأَنَا۠ مَعَكُم مِّنَ ٱلشَّـٰهِدِینَ (٨١) فَمَن تَوَلَّىٰ بَعۡدَ ذَ ٰ⁠لِكَ فَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ هُمُ ٱلۡفَـٰسِقُونَ (٨٢)﴾ [آل عمران ٨١-٨٢]

يُخْبِرُ تَعَالَى أَنَّهُ أَخَذَ مِيثَاقَ كُلِّ نَبِيٍّ بَعَثَهُ مِنْ لَدُنْ آدَمَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، إِلَى عِيسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ، لَمَهْمَا آتَى اللَّهُ أحدَهم مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ، وَبَلَغَ أَيَّ مبلَغ، ثُمَّ جَاءَهُ رَسُولٌ مِنْ بَعْدِهِ، ليؤمنَنَّ بِهِ ولينصرَنَّه، وَلَا يَمْنَعْهُ مَا هُوَ فِيهِ مِنَ الْعِلْمِ وَالنُّبُوَّةِ مِنَ اتِّبَاعِ مَنْ بُعِثَ بَعْدَهُ وَنُصْرَتِهِ؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى وَتَقَدَّسَ: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ﴾ أَيْ: لَمَهْمَا أَعْطَيْتُكُمْ(١) مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ﴿ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي﴾وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٌ، وَالرَّبِيعُ، وَقَتَادَةُ، وَالسُّدِّيُّ: يَعْنِي عَهْدِي.وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: ﴿إِصْرِي﴾ أَيْ: ثَقُلَ مَا حمّلْتم مِنْ عَهْدِي، أَيْ(٢) مِيثَاقِي الشَّدِيدِ الْمُؤَكَّدِ.﴿قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ. فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ﴾ أَيْ: عَنْ هَذَا الْعَهْدِ وَالْمِيثَاقِ، ﴿فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَابْنُ عَمِّهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا مِنَ الْأَنْبِيَاءِ إِلَّا أُخِذَ عَلَيْهِ الْمِيثَاقُ، لئن بَعَث محمدًا وَهُوَ حَيّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ وَلَيَنْصُرَنَّهُ، وأمَرَه أَنْ يَأْخُذَ الْمِيثَاقَ عَلَى أُمَّتِهِ: لَئِنْ بُعِثَ مُحَمَّدٌ [ﷺ](٣) وَهُمْ أَحْيَاءٌ ليؤمِنُنَّ به ولينصرُنَّه.وقال طاووس، وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَقَتَادَةُ: أَخَذَ(٤) اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ أَنْ يَصْدُقَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا.وَهَذَا لَا يُضَادُّ مَا قَالَهُ عَلِيٌّ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَلَا يَنْفِيهِ، بَلْ يَسْتَلْزِمُهُ وَيَقْتَضِيهِ. وَلِهَذَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عن مَعْمَر، عن ابن طاووس، عَنْ أَبِيهِ مِثْلَ قَوْلِ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ.وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنْبَأَنَا سُفْيَانُ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: جَاءَ عُمَرُ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي(٥) مررتُ بأخٍ لِي مِنْ قُرَيْظَة، فَكَتَبَ لِي جَوَامعَ(٦) مِنَ التَّوْرَاةِ، أَلَا أَعْرِضُهَا عَلَيْكَ؟ قَالَ: فتغيَّرَ وَجْهُ رَسُولِ اللهِ ﷺ -قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ ثَابِتٍ: قُلْتُ(٧) لَهُ: أَلَا تَرَى مَا بِوَجْهِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ؟ فَقَالَ عُمَرُ: رَضِينَا بِاللَّهِ رِبَّا، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا -قَالَ: فسُرِّيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَقَالَ: "وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْ أَصْبَحَ فِيكُمْ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، ثُمَّ اتَّبَعْتُمُوهُ وَتَرَكْتُمُونِي لَضَلَلْتُمْ،(٨) إِنَّكُمْ حَظِّي مِنْ الأمَمِ، وَأَنَا حَظُّكُمْ مِنْ النَّبِيِّينَ"(٩) .حَدِيثٌ آخَرُ: قَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ(١٠) حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ مُجالد، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "لَا تَسْأَلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ عَنْ شَيْءٍ، فَإِنَّهُمْ لَنْ يَهْدُوكُمْ وَقَدْ ضَلُّوا، وَإِنَّكُمْ إِمَّا أَنْ تُصَدِّقُوا بِبَاطِلٍ وَإِمَّا أنْ تُكَذِّبُوا بِحَقٍّ، وَإِنَّه -واللهِ-لَوْ كَانَ مُوسَى حَيًّا بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ مَا حَلَّ لَهُ إِلا أَنْ يَتَّبِعَنِي"(١١) .وَفِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ [لَهُ](١٢) :"لَوْ كَانَ مُوسَى وَعِيسَى حَيَّينِ لَمَا وَسِعَهُما إِلَّا اتِّباعِي"(١٣) .فَالرَّسُولُ مُحَمَّدٌ خَاتَمُ الْأَنْبِيَاءِ(١٤) صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ، دَائِمًا إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَهُوَ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ الَّذِي لَوْ وُجِدَ فِي أَيِّ عَصْرٍ وَجِدَ لَكَانَ هُوَ(١٥) الْوَاجِبُ الطَّاعَةِ المقدَّم عَلَى الْأَنْبِيَاءِ كُلِّهِمْ؛ وَلِهَذَا كَانَ إِمَامَهُمْ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ(١٦) لَمَّا اجْتَمَعُوا بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ، وَكَذَلِكَ هُوَ الشَّفِيعُ فِي يَوْمِ الْحَشْرِ(١٧) فِي إِتْيَانِ الرَّبِّ لِفَصْل الْقَضَاءِ، وَهُوَ الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ الَّذِي لَا يَلِيقُ إِلَّا لَهُ، وَالَّذِي يَحِيدُ عَنْهُ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ، حَتَّى تَنْتَهِيَ النَّوْبَةُ إليه، فيكونَ هو المخصوص به.

(١) في أ: "أعطيكم".
(٢) في جـ، ر، أ، و، "يعني".
(٣) زيادة من أ.
(٤) زيادة من أ.
(٥) في ر: "إنني".
(٦) في أ: "جوامع الكلم".
(٧) في جـ، ر، أ، و: "فقلت".
(٨) في أ: "لظللتم".
(٩) المسند (٤/٢٦٥) قال الهيثمي في المجمع (١/١٧٣) : "رجاله رجال الصحيح إلا أن فيه جابر الجعفي وهو ضعيف".
(١٠) في جـ، ر، أ، و: "أبو يعلى".
(١١) مسند البزار برقم (١٢٤) "كشف الأستار" ورواه أحمد في مسنده (٣/٣٨٧) والدارمي في السنن (١/١١٥) قال الهيثمي في المجمع (١/١٧٤) : "رواه البزار وأحمد وأبو يعلى". وقد حسنه الشيخ ناصر الألباني، وتوسع في الكلام عليه فليراجع في كتابه: "إرواء الغليل" (٦/٣٤) .
(١٢) زيادة من أ.
(١٣) قال العبد الضعيف: لم أجد من ذكر عيسى في الحديث، ولعل الله ييسر لي الاطلاع على هذه الرواية والله أعلم.
(١٤) في أ: "النبيين".
(١٥) في جـ، ر، أ، و: "كان".
(١٦) في جـ، أ، و: "ليلة الإسراء إمامهم".
(١٧) في أ، و: "المحشر".

(تفسير ابن كثير — ابن كثير (٧٧٤ هـ))

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق