الإمام الخميني>
الإمام الخميني
الكاتب: ma3loma
التسجيل : 30 /04 /2004 م
المشاركات : 445
مراسلة موقع
بتاريخ: 10 /11 /2005 م
طباعة الموضوع || أخبر صديقك
اسمه روح الله بن مصطفى موسوي، ولد في [30 جمادى الأولى 1318هـ=24 سبتمبر 1900م] في قرية خمين التي تبعد (80) ميلاً جنوب غربي مدينة "قم" الشهيرة،
حيث كان أبوه أحد علماء الدين المعروفين، إلا أنه قُتل على يد بعض عملاء أحد كبار الملاك، عندما أطلق النار عليه فأرداه قتيلاً؛ لأنه دافع عن بعض حقوق بعض المستأجِرين الفلاحين؛
فكانت حياته ثمنًا للوقوف بجانب الحق. كان عمر روح الله لم يتعدَّ شهورًا عند وفاة والده، فاعتنت أمه بتربيته حتى وفاتها سنة [1337هـ=1918م]، فذهب للعيش مع أخيه الأكبر الفقيه "باسند يداه موسوي"، وانضم إلى الحوزة العلمية لآية الله عبد الكريم الحائري، أحد علماء الدين الكبار في مدينة "آراك" التي تبعد 30 كم عن خمين مسقط رأسه، وفي سنة [1341هـ=1922م] قرر الحائري أن ينقل حوزته العلمية إلى "قم" المدينة العلمية في إيران، فانتقل معه روح الله، وكانت تلك أول مرة تقع فيها عيناه على تلك المدينة، ولم يكن له فيها مكان يعيش فيه حيث كان فقيرًا جدًا؛ لذلك أقام في المسجد الذي تُعقد فيه الحلقات العلمية، فكان يفترش الأرض، الأمر الذي لازمه طيلة حياته، فلم يستعمل السرير قط.
ولما أتم المرحلة الأولى من تعليمه ودراسته حصل على درجة علمية تسمى "محلة السطوح العالية"، وبدأ في مساعدة أستاذه في التدريس في مادتي الفلسفة والمنطق، ودرّس مقرر الأخلاق، إلا أن رجال الشاه منعوه من إلقاء هذه الدروس بحجة أن الأمور السياسية كثيرًا ما تتردد في دروسه.
وتزوج الخميني وهو في سن (25) من سيدة تدعى "خديجة بنت محمد الثقيفي" وأنجبا عدة أولاد منهم "مصطفى" الذي اغتالته السافاك (المخابرات الإيرانية إبان عهد الشاه)، وأحمد الذي كان يعتبر من كبار مساعديه، وثلاث بنات هن: فريدة وصادفة وفاطمة، تزوجن من علماء دين.
والمعروف أن آيات الله (كبار علماء الشيعة) يكنّون بأسماء القرى والمدن التي أتوا منها؛ لذلك أطلق على روح الله "آية الله الخميني".
إيران على حافة البركان
كانت إيران تعيش في حالة من الاضطراب السياسي والاجتماعي والاقتصادي، واحتقان شعبي شديد، يأخذ مكانه على الساحة في شكل هبات وانتفاضات جماهيرية بسبب الأوضاع الاقتصادية المتدهورة التي يعاني منها غالبية الشعب، رغم الثروة البترولية الضخمة التي تمتلكها البلاد، بالإضافة إلى القبضة الحديدية التي لا تسمح بالمعارضة في ظل حكم الشاه محمد رضا بلهوي، الذي اتبع أساليب عنيفة لتصفية معارضيه بالاغتيال والنفي والسجن، وما يتردد من أخبار عن فساد الشاه وأسرته وإسرافهم وبذخهم الشديد، كل هذه الأمور وغيرها جعلت المعارضة ضد النظام السياسي للشاه تزداد، وكان أكثر المعارضين هم العلماء، وعلى رأسهم آية الله الخميني الذي كان يدرس في مدرسة الفياضية في قم، ويحتشد الآلاف لخطبه ومواعظه الدينية، وأسس الخميني "الاتحاد الإسلامي" وكان يرفض كل ما يصدره الشاه، ويرفض كل ما يصدره المجلس النيابي من قوانين أو يصادق عليه؛ لأنه يصدر عن هيئة غير مخولة، ولا تنطبق عليها الصفة الشرعية.
كان الخميني يكرر دائمًا وصية الإمام علي بن أبي طالب –رضي الله عنه- لأبنائه: "فلتكونوا دائمًا حماة الضعفاء وأعداء الظالمين" لذلك حينما قام الشاه بإعطاء الحصانة السياسية للخبراء والمستشارين الأمريكيين، وأعلن عن "الثورة البيضاء" التي تهدف في حقيقتها إلى إخضاع علماء الدين للدولة عن طريق سحب جزء كبير من الأراضي التي يمتلكونها من الوقف، وتهديد كبار الملاك الزراعيين بنزع ملكياتهم، وإعطاء حق التصويت للمرأة، استغل الخميني كل هذا في الدعاية ضد الشاه وسياساته، واتهمه بأنه ضد الشريعة والدستور، وأنه باع إيران للأمريكيين، وكانت المناسبة الأولى التي ظهر فيها اسم الخميني أثناء احتفالات الشيعة بذكرى استشهاد الإمام الحسين في يوم عاشوراء؛ حيث دعا إلى التظاهر والإضراب، واستجابت الجماهير لنداءاته، وانقلبت مواكب عاشوراء إلى تظاهرات عام [1383هـ=1963م] اصطدمت بقوات الأمن، وسقط ألفا قتيل من المتظاهرين، وأظهر ذلك تأثير الخميني البالغ في الجماهير.
وقد نجح الشاه في قمع المظاهرات دون اللجوء إلى قوات الجيش، وتوجه بنداء إلى العلماء ليلتزموا الهدوء، ووعد بعدم المساس بأراضي الأوقاف، وأُلقي القبض على الخميني، ثم أُمر بنفيه إلى خارج البلاد.
الحياة في المنفى
تم نفي الخميني بعد هذه الأحداث الدموية بشهور إلى تركيا، وعاش فيها ما يقرب من أحد عشر شهرًا، لكنه اختار بعد ذلك أن يعيش في النجف الأشرف بالعراق، وبدأت الأوضاع تعود إلى الهدوء الظاهري في إيران، وأصبح النجف مركز اهتمام كبير وبؤرة تجمع كل المعارضين لنظام الشاه خارج إيران، تحت زعامة الخميني الذي أخذ في إلقاء الخطب والمحاضرات المؤثرة عن الأوضاع في إيران، ويتناقلها أتباعه ومريدوه، وتجد صدى واسعًا بين الإيرانيين. وكان علماء الدين والمعارضة قد بدءوا في البحث عن وسيلة للإطاحة بالشاه، واختاروا لتحقيق ذلك حرب العصابات منذ مطلع [1390هـ=1970م]، وظهرت جمعيتان ثوريتان هما: "فدائيو خلق" الماركسية، و"مجاهدو خلق" التي يقودها بعض الرجال الذين تعلموا على يد المفكر البارز "علي شريعتي" الذي يعتبر المنظر الأول للثورة الإيرانية.
وقد حاول النظام العراقي سنة [1394هـ=1974م] الحصول من الخميني على تأييد ديني وسياسي أثناء خلافاته مع إيران، إلا أنه رفض ذلك الأمر، وعندما وقّعت بغداد وطهران اتفاقية الجزائر [1395هـ=1975م] طلب العراق من الخميني السكوت عن معارضته للشاه، وإلا فعليه الرحيل إلى أي مكان آخر، فآثر الخميني السكوت المؤقت حتى تتغير الأوضاع، ثم تكرر طلب السافاك والشاه بعد عامين لدى العراق بأن يوقف الخميني نشاطاته، فخيرته بغداد بين البقاء صامتًا أو الرحيل، فآثر الثانية، غير أن الشاه أدرك خطورة مغادرة الخميني للعراق وطلب من العراقيين منعه من الخروج. وقبيل هذا الأمر وقعت له مأساة شديدة عميقة تمثلت في اغتيال ابنه الأكبر الذي يضطلع بالدور الأكبر في حمل رسائله إلى مؤيديه في إيران في كمين دبره له رجال السافاك.
وتحول الحزن على مصطفى إلى مناسبة ليظهر فيها الناس ولاءهم للخميني وتأييدهم له وعداءهم للشاه، وحاول ألوف الإيرانيين اختراق الحدود العراقية الإيرانية لتقديم العزاء للخميني في النجف الأشرف، لكن الشرطة منعتهم وسقط بعض القتلى، فردوا على ذلك بإقامة المآتم في طهران وبقية المدن الإيرانية، وكثرت الوفود لتعزيته، عندها وجه الخميني رسالة إلى مؤيديه تحت عنوان: "لقد سكبنا ما فيه الكفاية من الدموع" وطالبهم بتعليمات أربعة، ملخصها أن يقاطعوا المؤسسات الحكومية، وأن يسحبوا كل أشكال التعاون معها، وألا يسهموا في أي نشاط يفيدها، وأن يقيموا مؤسسات إسلامية في جميع المجالات.
ولأن فتوى العلماء مقدسة كدماء الشهداء، فإن الإيرانيين أخذوا فتواه على محمل الجد والعمل، واتسع نطاق التظاهر داخل إيران، مع تدفق آلاف من أشرطة الكاسيت تحمل صوت الخميني وتحريضه على التمرد والعصيان.
نوفل لوشانو.. والعالمية
أُجبر الخميني على مغادرة العراق، فقرر أن يذهب إلى الكويت، فصدر أمر بإغلاق الحدود في وجهه، فعاد إلى النجف ومنها إلى دمشق، ثم توجه إلى باريس في [شوال 1397هـ =أكتوبر 1977م] واستقر في بيت صغير في ضاحية نوفل لوشانو على بعد (20) ميلاً غربي باريس، وأصبحت تلك الضاحية الهادئة مقرًا لقيادته لحين عودته إلى إيران. وفي باريس انتقل من زعيم محلي إلى العالمية، وكان وجوده هناك نقطة تحول في تاريخه وفي تاريخ بلاده، فسلطت عليه وسائل الإعلام المختلفة أضواءها، وكان يقضي معظم وقته أمام عدسات التليفزيون، أو محاوري الصحافة، فخلال ثلاثة أشهر قضاها في باريس أدلى بخمسمائة حديث لوسائل الإعلام، وفي إحدى حواراته مع صحيفة "لوموند" الفرنسية تحدث باعتباره زعيمًا مصلحًا ورئيسَ دولة متوقعًا، فأعرب عن وجهة نظره في القضايا المطروحة على الساحة الإيرانية بمنظور عصري؛ وهو حديث يخرج عن نطاق الوعظ والإرشاد والنقد المبهم للفساد.
تمتع الخميني في باريس بحرية كبيرة هو وأنصاره، ويبدو أن فرنسا تصرفت بناء على وصية سفيرها في طهران، الذي قال: "إن الشاه قد انتهى، وإن صفحته قد طويت نهائيًا"، وأخذت المعارضة تلقي قيادها له، فأعلن مهدي بازركان –أحد قادة الجبهة الوطنية- أن أغلبية الشعب في إيران قد اختارت الخميني ليكون قائدًا لها.
وكانت أشرطة الخميني المسجلة تحرك الشارع ضد الشاه؛ ففي [ربيع أول 1398هـ=فبراير 1978م] خرجت المظاهرات من مساجد "تبريز"، ولم تستطع قوات الأمن السيطرة عليها، فخرجت فصائل من الجيش، وسيطرت على الموقف، وفُرض حصار بري وبحري على المدينة، وزادت حدة المظاهرات في رمضان وأخذت تطالب بإغلاق المطاعم، والبنوك الربوية. وفي يوم الجمعة [6 شوال 1398هـ=8 سبتمبر 1978م[ وقعت مصادمات بين الشرطة والمدنيين سقط خلالها أربعة آلاف قتيل، وسمي ذلك اليوم "الجمعة الدامي"، وأُعلنت الأحكام العرفية، وفُرض حظر التجول، إلا أن المتظاهرين تحدوا ذلك في مدينة قم، وخرجت المظاهرات وسقط أكثر من ألفي قتيل، وأعلن علماء الشيعة الحداد وامتنعوا عن الخطب، وفي هذا الجو المشحون بالمآسي أقام الشاه حفلات باذخة؛ فكانت سببًا في زيادة حدة الغضب الشعبي.
معًا ضد الشاه
نبهت أحداث تبريز المسؤولين الإيرانيين الموالين للشاه إلى ضرورة البحث عن حلول للمشكلة المتفاقمة في إيران، ومن ثم بدأت وسائل الإعلام تجري نقدًا ذاتيًا لمؤسسات الدولة، ولنشاط حزب "رستاخيز" الحاكم بغرض امتصاص الغضب الشعبي الذي شمل طهران وقم وتبريز، غير أن الشاه تمسك بموقفه الرافض للاعتراف بالمعارضة سواءً المعتدلة أو المتشددة، بل وصفهم بالقتلة الخارجين على النظام، وكان هذا الرفض القاطع منه بمثابة الضوء الأخضر للمعارضة لتتحد ضده، متناسية خلافاتها الجوهرية. كذلك رفض الشاه نصائح الجنرال "ناصر مقدم" مدير السافاك بأن يسمح بتكوين أحزاب، وبالعمل على إجراء انتخابات حرة، وتطهير أجهزة الدولة من الفساد.
دفع هذا التعنت السياسي للشاه إلى مطالبة جميع القوى الوطنية بإسقاطه، وشاركهم في ذلك كبار التجار أصحاب البازارات (الأسواق التجارية) التي تضم (250) ألف صاحب محل، وكان هؤلاء التجار يتمتعون بعلاقات متينة مع علماء الدين. والمعروف أن الأسواق كانت تغلق أبوابها في إيران عندما يثور التجار، وأن التجار كانوا يعتصمون في المساجد إذا أرادوا إعلان احتجاجهم في مواجهة السلطة، كما أن الشاه قام بسجن ثمانية آلاف تاجر من أصحاب المحال التجارية؛ لذلك ألقى البازار في إيران بثقله وقوته في كفة الخميني ضد الشاه.
وقد امتدت المظاهرات في إيران إلى أربعين مدينة، وقاطع الطلاب الدراسة، ورفض الخميني إجراء أي حوار سياسي مع الحكومة الإيرانية، فسقطت الحكومة، وكُلف رئيس الأركان "غلام رضا أزهري" بتشكيل حكومة جديدة، وتطرق بعض قادة الجيش في عروضهم لإنهاء المظاهرات، فاقترح الجنرال "غلام أوفيسي" حاكم طهران على الشاه تدمير مدينة قم، وتوقع أن يكون ضحايا هذا التدمير مليون قتيل، فلم يوافق الشاه على هذا الاقتراح، فترك أوفيسي البلاد.
الخميني والجيش
كان الخميني يدرك أثر الإعلاميات (رسائله الصوتية) في إشعال الثورة الإيرانية، ولم تكن السافاك تقلقه رغم قوتها وبشاعة أساليبها؛ لأنه يعلم أن (50) ألف عميل من السافاك لن يستطيعوا مواجهة (35) مليون ثائر، وخلص إلى أن المشكلة الرئيسية التي تعترض نجاح الثورة وإسقاط الشاه هي الجيش الذي تزيد قواته عن نصف مليون جندي ذوي تسليح جيد وتدريب راقٍ، لذا رأى أنه من الضروري تحييد الجيش في الصراع بين الشعب والشاه، وضرورة تحطيم الروابط القوية بين الجيش والشاه، فخصص جزءًا كبيرًا من إعلامياته إليه، تضمنت ألا يخدم الجيش الشاه لأنه طاغوت، في حين أنهم جنود الله المستضعفون، ودعاهم ألا يطلقوا النار على إخوانهم المسلمين؛ لأن كل رصاصة تصيب قلب مسلم تصيب قلب القرآن، ونصحهم بأن يعودوا إلى قراهم ومدنهم وأن يعودوا إلى الله.
وكان لنداءاته أثرها في الجيش؛ فبدأت التقارير تسجل حالات هروب من الخدمة، عندها كثف إعلامياته على الجيش، وطلب من الفارين أن يأخذوا أسلحتهم معهم أثناء الهرب لأنها أسلحة الله، فقامت كتيبة كاملة مضادة للطائرات من (500) جندي تعسكر قرب مشهد بالهرب بكامل أسلحتها، فأدى ذلك إلى اتساع نطاق الاضطرابات ولم تستطع الشرطة والسافاك مواجهتها.
وطلب الخميني من الشعب الثائر ألا يصطدم بالجيش تحت أي ظرف، وأعلن صيحته المشهورة: "لا تهاجموا الجيش في صدره؛ ولكن هاجموه في قلبه"، "إذا صدرت إليهم الأوامر بإطلاق النار عليكم، فلتعروا صدوركم، فدماؤكم والحب الذي ستظهرونه لهم وأنتم تسلمون الروح لبارئها سوف يقنعهم؛ فدماء كل شهيد هي ناقوس خطر يوقظ آلافًا من الأحياء".. استخدم الخميني كلمات وتعابير تثير الوجدان وتهز الأعماق، وأدرك نقاط الضعف في الجيش، واستطاع أن يفصل بين الجنود البسطاء والضباط، وبذلك تمكن من نزع سلاح الجيش، بل نزع الجيش من يد الشاه قبل قيام الثورة.
العودة منتصرًا
رفض الخميني أية حلول وسط مع حكومة "شاهبور بختيار" الجديدة، واستمرت الاضطرابات والمظاهرات العارمة التي قضت على قدرة بختيار على التأثير في الأحداث، وأعلن الخميني أنه سيرفض أية حكومة طالما بقي الشاه، وأنه لن يقبل إلا سقوط الشاه وإقامة جمهورية إسلامية، وأمام ذلك غادر الشاه إيران في [7 صفر 1399هـ=16 يناير 1979م] إلى القاهرة بعدما استولى هو وأسرته على مئات الملايين من الدولارات من البنوك.
وفي [4 ربيع الأول 1399هـ=1 فبراير 1979م] وصل الخميني إلى طهران، وكان في استقباله في المطار ستة ملايين شخص، وأحاطت هذه الجموع بالرجل ذي الثمانين عامًا، وكاد الحب يقتله، فاستقل طائرة هليكوبتر ليكمل رحلته فوق رؤوس البشر الذين احتشدوا لاستقباله. ومع قدومه ذابت الدولة وسلطتها وحكومتها أمام شخصيته، وانضمت بعض وحدات الجيش إلى المتظاهرين، وأعلن عدم شرعية حكومة شاهبور بختيار، وعين "مهدي بازركان" رئيسًا للوزراء، فأعلن بختيار الحكم العسكري، فرد عليه الخميني بإعلان العصيان المدني، وكتب ورقة نُقلت صورتها على شاشة التلفاز الذي استولى عليه أنصاره، فيها: "تحدوا حظر التجول" فتدفق الشعب إلى الشارع، وتصاعدت حدة المواجهات، واستولى المتظاهرون على كميات كبيرة من أسلحة الجيش، فجاء القائد الأعلى للقوات المسلحة الجنرال قرباغي إلى الخميني وأعلن استسلامه وحياد الجيش في المواجهات التي تحدث في المدن بين مؤيدي النظامين، وعادت القوات العسكرية إلى مواقعها، وأعلن الخميني قيام الجمهورية الإسلامية الإيرانية، بعدما استمرت الثورة عامًا كاملاً سقط خلاله أكثر من (76) ألف قتيل، وفر شاهبور بختيار إلى خارج إيران.
من الثورة إلى الدولة الإسلامية
بعد إعلان قيام الجمهورية الإسلامية في إيران، تشكل عدد من اللجان الثورية لمحاكمة أعداء الثورة ورجال النظام السابق، وحُكم بالإعدام على كثيرين، وصودرت أملاك الشاه وأسرته وتم تخصيصها للمستضعفين، وشكل بازركان الوزارة الجديدة، وعين كبار الضباط المناوئين للشاه في رئاسة المراكز العليا للحفاظ على الجيش. أما الخميني فسعى لتدعيم وتقوية المؤسسة الدينية، وأنشأ "مجلس قيادة الثورة" الذي كان يشرف على الحكومة المؤقتة وقيادات الجيش، وبدأت الخلافات تظهر بين الخميني وبازركان حول مفهوم الجمهورية؛ حيث تمسّك الخميني بالاقتراع على الجمهورية الإسلامية فقط، واستطاع علماء الدين الشيعة اختراق جميع مؤسسات الدولة، ولم يصبح أمام بازركان مجال للمنافسة معهم، وأصر الخميني –أيضًا- أن تكون رئاسة الدولة تحت ولاية الفقيه، ومنح الدستور هذا الفقيه سلطات مطلقة، وأمام هذا الأمر استقال بازركان بعد شهور من قيام الثورة.
وتوترت علاقة إيران الإسلامية بالولايات المتحدة بعد احتجاز أكثر من خمسين رهينة أمريكية داخل السفارة الأمريكية في طهران، وكان ذلك سببًا في قطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.
واختار الخميني "أبو الحسن بني صدر" رئيسًا للجمهورية الإسلامية، وحصل أبو الحسن على أعلى الأصوات؛ فكان أول رئيس للجمهورية الإسلامية في [ربيع أول 1400هـ=يناير 1980م]، وبقي الخميني مشرفا على شؤون الدولة الموجهة لها، إلا أن الخلافات تصاعدت بين الرجلين، فتوارى الرئيس، وصدر أمر بمنعه من مغادرة البلاد، ثم تم التصويت على عزله، وانتُخب "محمد علي رجائي" رئيسًا للبلاد.
وشهدت فترة ولاية الخميني على الجمهورية الإيرانية تفجر الحرب العراقية الإيرانية التي استمرت ثماني سنوات.
وقد وقعت عدة محاولات انقلابية ضد الخميني لكنها أُحبطت، واستمر الصراع السياسي والاجتماعي في إيران والعزلة المفروضة عليها دوليًا بسبب سياساتها في تصدير الثورة حتى وفاة الخميني في [29 شوال 1409هـ=3 يونيو 1989م] بعدما رفع لأول مرة في التاريخ المعاصر مسألة حيازة السلطة من قبل الفقهاء، وتأسيس حكومة إسلامية تقاد من جانبهم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق