المتابعون

بحث هذه المدونة الإلكترونية

الاثنين، 16 سبتمبر 2024

من سورة يوسف

صدقة جارية 
تفسير اية رقم ٨٠_٨٢
من سورة يوسف 
﴿فَلَمَّا ٱسۡتَیۡـَٔسُوا۟ مِنۡهُ خَلَصُوا۟ نَجِیࣰّاۖ قَالَ كَبِیرُهُمۡ أَلَمۡ تَعۡلَمُوۤا۟ أَنَّ أَبَاكُمۡ قَدۡ أَخَذَ عَلَیۡكُم مَّوۡثِقࣰا مِّنَ ٱللَّهِ وَمِن قَبۡلُ مَا فَرَّطتُمۡ فِی یُوسُفَۖ فَلَنۡ أَبۡرَحَ ٱلۡأَرۡضَ حَتَّىٰ یَأۡذَنَ لِیۤ أَبِیۤ أَوۡ یَحۡكُمَ ٱللَّهُ لِیۖ وَهُوَ خَیۡرُ ٱلۡحَـٰكِمِینَ (٨٠) ٱرۡجِعُوۤا۟ إِلَىٰۤ أَبِیكُمۡ فَقُولُوا۟ یَـٰۤأَبَانَاۤ إِنَّ ٱبۡنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدۡنَاۤ إِلَّا بِمَا عَلِمۡنَا وَمَا كُنَّا لِلۡغَیۡبِ حَـٰفِظِینَ (٨١) وَسۡـَٔلِ ٱلۡقَرۡیَةَ ٱلَّتِی كُنَّا فِیهَا وَٱلۡعِیرَ ٱلَّتِیۤ أَقۡبَلۡنَا فِیهَاۖ وَإِنَّا لَصَـٰدِقُونَ (٨٢)﴾ [يوسف ٨٠-٨٢]

يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ إِخْوَةِ يُوسُفَ: أَنَّهُمْ لَمَّا يَئِسُوا مِنْ تَخْلِيصِ أَخِيهِمْ بِنْيَامِينَ، الَّذِي قَدِ الْتَزَمُوا لِأَبِيهِمْ بِرَدِّهِ إِلَيْهِ، وَعَاهَدُوهُ عَلَى ذَلِكَ، فَامْتَنَعَ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ، ﴿خَلَصُوا﴾ أَيِ: انْفَرَدُوا عَنِ النَّاسِ ﴿نَجِيًّا﴾ يَتَنَاجَوْنَ فِيمَا بَيْنَهُمْ.﴿قَالَ كَبِيرُهُمْ﴾ وَهُوَ رُوبيل، وَقِيلَ: يَهُوذَا، وَهُوَ الَّذِي أَشَارَ عَلَيْهِمْ بِإِلْقَائِهِ فِي الْبِئْرِ عِنْدَمَا همّوا بِقَتْلِهِ، قَالَ لَهُمْ: ﴿أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقًا مِنَ اللَّهِ﴾ لتردنَّه إِلَيْهِ، فَقَدْ رَأَيْتُمْ كَيْفَ تَعَذَّرَ عَلَيْكُمْ ذَلِكَ مَعَ مَا تَقَدَّمَ لَكُمْ مِنْ إِضَاعَةِ يُوسُفَ عَنْهُ، ﴿فَلَنْ أَبْرَحَ الأرْضَ﴾ أَيْ: لَنْ أُفَارِقَ هَذِهِ الْبَلْدَةَ، ﴿حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي﴾ فِي الرُّجُوعِ إِلَيْهِ رَاضِيًا عَنِّي، ﴿أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي﴾ قِيلَ: بِالسَّيْفِ. وَقِيلَ: بِأَنْ يُمَكِّنَنِي مِنْ أَخْذِ أَخِي، ﴿وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ﴾(١) .ثُمَّ أَمَرَهُمْ أَنْ يُخْبِرُوا أَبَاهُمْ بِصُورَةِ مَا وَقَعَ، حَتَّى يَكُونَ عُذْرًا لَهُمْ عِنْدَهُ وَيَتَنَصَّلُوا إِلَيْهِ، وَيَبْرَءُوا مِمَّا وَقَعَ بِقَوْلِهِمْ.
* * *وَقَوْلُهُ: ﴿وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ﴾ قَالَ عِكْرِمَةُ وَقَتَادَةُ: مَا [كُنَّا](٢) نَعْلَمُ أَنَّ ابْنَكَ سَرَقَ(٣) .وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: مَا عَلِمْنَا فِي الْغَيْبِ أَنَّهُ يَسْرِقُ(٤) لَهُ شَيْئًا، إِنَّمَا سَأَلَنَا(٥) مَا جَزَاءُ السَّارِقِ؟﴿وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا﴾ قِيلَ: الْمُرَادُ مِصْرُ. قَالَهُ قَتَادَةُ، وَقِيلَ: غَيْرُهَا، ﴿وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا﴾ أَيِ: الَّتِي رَافَقْنَاهَا، عَنْ صِدْقِنَا وَأَمَانَتِنَا وَحِفْظِنَا وَحِرَاسَتِنَا، ﴿وَإِنَّا لَصَادِقُونَ﴾ فِيمَا أَخْبَرْنَاكَ بِهِ، مِنْ أَنَّهُ سَرَقَ وَأَخَذُوهُ بِسَرِقَتِهِ.

(١) في ت، أ: "أحكم الحاكمين" وهو خطأ.
(٢) زيادة من ت، أ.
(٣) في ت: "يسرق".
(٤) في ت، أ: "سرق".
(٥) في ت، أ: "سألناه".

(تفسير ابن كثير — ابن كثير (٧٧٤ هـ))

من سورة يوسف

صدقة جارية 
تفسير اية رقم ٨٧_٨٨
من سورة يوسف 
﴿یَـٰبَنِیَّ ٱذۡهَبُوا۟ فَتَحَسَّسُوا۟ مِن یُوسُفَ وَأَخِیهِ وَلَا تَا۟یۡـَٔسُوا۟ مِن رَّوۡحِ ٱللَّهِۖ إِنَّهُۥ لَا یَا۟یۡـَٔسُ مِن رَّوۡحِ ٱللَّهِ إِلَّا ٱلۡقَوۡمُ ٱلۡكَـٰفِرُونَ (٨٧) فَلَمَّا دَخَلُوا۟ عَلَیۡهِ قَالُوا۟ یَـٰۤأَیُّهَا ٱلۡعَزِیزُ مَسَّنَا وَأَهۡلَنَا ٱلضُّرُّ وَجِئۡنَا بِبِضَـٰعَةࣲ مُّزۡجَىٰةࣲ فَأَوۡفِ لَنَا ٱلۡكَیۡلَ وَتَصَدَّقۡ عَلَیۡنَاۤۖ إِنَّ ٱللَّهَ یَجۡزِی ٱلۡمُتَصَدِّقِینَ (٨٨)﴾ [يوسف ٨٧-٨٨]

يَقُولُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ يَعْقُوبَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، إِنَّهُ نَدَبَ بَنِيهِ عَلَى(١) الذَّهَابِ فِي الْأَرْضِ، يَسْتَعْلِمُونَ أَخْبَارَ يُوسُفَ وَأَخِيهِ بِنْيَامِينَ.وَالتَّحَسُّسُ(٢) يَكُونُ فِي الْخَيْرِ، وَالتَّجَسُّسُ يُسْتَعْمَلُ فِي الشَّرِّ.ونَهّضهم وَبَشَّرَهُمْ وَأَمْرَهُمْ أَلَّا يَيْأَسُوا مِنْ رُوحِ اللَّهِ، أَيْ: لَا يَقْطَعُوا رَجَاءَهُمْ وَأَمَلَهُمْ مِنَ اللَّهِ فِيمَا يَرُومُونَهُ وَيَقْصِدُونَهُ(٣) فَإِنَّهُ لَا يَقْطَعُ الرَّجَاءَ، وَيَقْطَعُ الْإِيَاسَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ(٤) .
* * *وَقَوْلُهُ: ﴿فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ﴾ تَقْدِيرُ الْكَلَامِ: فَذَهَبُوا فَدَخَلُوا بلد(٥) مصر، ودخلوا على يوسف، ﴿قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ﴾ يَعْنُونَ مِنَ الْجَدْبِ وَالْقَحْطِ وَقِلَّةِ الطَّعَامِ، ﴿وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ﴾ أَيْ: وَمَعَنَا ثَمَنُ الطَّعَامِ الَّذِي تَمْتَارُهُ، وَهُوَ ثَمَنٌ قَلِيلٌ. قَالَهُ مُجَاهِدٌ، وَالْحَسَنُ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ.وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الرَّدِيءُ(٦) لَا يَنفُق، مِثْلَ خَلَق الغِرارة، وَالْحَبْلِ، وَالشَّيْءِ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ: الدَّرَاهِمُ الرَّدِيئَةُ الَّتِي لَا تَجُوزُ إِلَّا بِنُقْصَانٍ. وَكَذَا قَالَ قَتَادَةُ، والُّسدي.وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ [وَعِكْرِمَةُ](٧) هِيَ الدَّرَاهِمُ الفُسُول.وَقَالَ أَبُو صَالِحٍ: هُوَ الصَّنَوْبَرُ وَحَبَّةُ الْخَضْرَاءِ.وَقَالَ الضَّحَّاكُ: كَاسِدَةٌ لَا تُنْفَقُ.وَقَالَ أَبُو صَالِحٍ: جَاءُوا بحَبِّ البُطْم الْأَخْضَرِ وَالصَّنَوْبَرِ.وَأَصْلُ الْإِزْجَاءِ: الدَّفْعُ لِضَعْفِ الشَّيْءِ، كَمَا قَالَ حَاتِمٌ الطَّائِيُّ:ليَبْك عَلى مِلْحَانَ ضَيفٌ مُدَفَّعٌ ... وَأرمَلَةٌ تُزْجي مَعَ الَّليْلِ أرمَلا(٨)وَقَالَ أَعْشَى بَنِي ثَعْلَبَةَ:الوَاهبُ المائةِ الهجَان وعَبدِها ... عُوذًا تُزَجِّي خَلْفَها أطْفَالَها(٩)
* * *وَقَوْلُهُ إِخْبَارًا عَنْهُمْ: ﴿فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ﴾ أَيْ: أَعْطِنَا بِهَذَا الثَّمَنِ الْقَلِيلِ مَا كُنْتَ تُعْطِينَا قَبْلَ ذَلِكَ. وَقَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ: "فأوقرْ رِكَابَنَا وَتَصَدَّقَ عَلَيْنَا".وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: ﴿وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا﴾ برَدِّ أَخِينَا إِلَيْنَا.وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَالسُّدِّيُّ: ﴿وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا﴾ يَقُولُونَ: تَصَدَّقْ عَلَيْنَا بِقَبْضِ هَذِهِ الْبِضَاعَةِ الْمُزْجَاةِ، وَتَجَوَّزُ فِيهَا.وَسُئِلَ سُفْيَانُ بْنُ عُيُيْنَة: هَلْ حُرِّمَتِ الصَّدَقَةُ عَلَى أَحَدٍ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلَ النَّبِيِّ ﷺ؟ فَقَالَ: أَلَمْ تَسْمَعْ قَوْلَهُ: ﴿فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ﴾ رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنِ الْحَارِثِ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْهُ(١٠)(١١) .وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا الْحَارِثُ، حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ، حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الْأَسْوَدِ: سَمِعْتُ مُجَاهِدًا وَسُئِلَ: هَلْ يُكْرَهُ أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ فِي دُعَائِهِ: اللَّهُمَّ تَصَدَّقْ عَلَيَّ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، إِنَّمَا الصَّدَقَةُ لمن يبتغي الثواب.

(١) في أ: "إلى".
(٢) في ت: "والتجسس".
(٣) في ت، أ: "ويقصدون له".
(٤) في ت: "الكافرين".
(٥) في أ: "بلاد".
(٦) في ت، أ: "الردي الذي لا ".
(٧) زيادة من ت، أ.
(٨) البيت في تفسير الطبري (١٦/٢٣٥) .
(٩) البيت في تفسير الطبري (١٦/٢٣٥) .
(١٠) في أ: "به".
(١١) تفسير الطبري (١٦/٢٤٢) .

(تفسير ابن كثير — ابن كثير (٧٧٤ هـ))