المتابعون

بحث هذه المدونة الإلكترونية

السبت، 10 سبتمبر 2011

تفسير سورة يوسف

الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (1)
(الر) سبق الكلام على الحروف المقطَّعة في أول سورة البقرة.
هذه آيات الكتاب البيِّن الواضح في معانيه وحلاله وحرامه وهداه.

إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (2)
إنا أنزلنا هذا القرآن بلغة العرب، لعلكم -أيها العرب- تعقلون معانيه وتفهمونه، وتعملون بهديه.

نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنْ الْغَافِلِينَ (3)
نحن نقصُّ عليك -أيها الرسول- أحسن القصص بوحينا إليك هذا القرآن، وإن كنت قبل إنزاله عليك لمن الغافلين عن هذه الأخبار، لا تدري عنها شيئًا.

إِذْ قَالَ يُوسُفُ لأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ (4)
اذكر -أيها الرسول- لقومك قول يوسف لأبيه: إني رأيت في المنام أحد عشر كوكبً، والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين. فكانت هذه الرؤيا بشرى لِمَا وصل إليه يوسف عليه السلام من علوِّ المنزلة في الدنيا والآخرة.

قَالَ يَا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ (5)
إذ قال إخوة يوسف من أبيه فيما بينهم: إن يوسف وأخاه الشقيق أحب إلى أبينا من، يفضِّلهما علين، ونحن جماعة ذوو عدد، إن أبانا لفي خطأ بيِّن حيث فضَّلهما علينا من غير موجب نراه.

وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (6)
وكما أراك ربك هذه الرؤيا فكذلك يصطفيك ويعلمك تفسير ما يراه الناس في منامهم من الرؤى مما تؤول إليه واقعً، ويتم نعمته عليك وعلى آل يعقوب بالنبوة والرسالة، كما أتمها من قبل على أبويك إبراهيم وإسحاق بالنبوة والرسالة. إن ربك عليم بمن يصطفيه من عباده، حكيم في تدبير أمور خلقه.

لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ (7)
لقد كان في قصة يوسف وإخوته عبر وأدلة تدل على قدرة الله وحكمته لمن يسأل عن أخبارهم، ويرغب في معرفتها.

إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (8)
إذ قال إخوة يوسف من أبيه فيما بينهم: إن يوسف وأخاه الشقيق أحب إلى أبينا من، يفضِّلهما علين، ونحن جماعة ذوو عدد، إن أبانا لفي خطأ بيِّن حيث فضَّلهما علينا من غير موجب نراه.

اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوْ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْماً صَالِحِينَ (9)
اقتلوا يوسف أو ألقوا به في أرض مجهولة بعيدة عن العُمران يخلُص لكم حب أبيكم وإقباله عليكم، ولا يلتفت عنكم إلى غيركم، وتكونوا مِنْ بعد قَتْل يوسف أو إبعاده تائبين إلى الله، مستغفرين له من بعد ذنبكم.

قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنتُمْ فَاعِلِينَ (10)
قال قائل من إخوة يوسف: لا تقتلوا يوسف وألقوه في جوف البئر يلتقطه بعض المارَّة من المسافرين فتستريحوا منه، ولا حاجة إلى قتله، إن كنتم عازمين على فعل ما تقولون.

قَالُوا يَا أَبَانَا مَا لَكَ لا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ (11)
قال إخوة يوسف -بعد اتفاقهم على إبعاده-: يا أبانا ما لك لا تجعلنا أمناء على يوسف مع أنه أخون، ونحن نريد له الخير ونشفق عليه ونرعاه، ونخصه بخالص النصح؟

أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (12)
أرسله معنا غدًا عندما نخرج إلى مراعينا يَسْعَ وينشط ويفرح، ويلعب بالاستباق ونحوه من اللعب المباح، وإنا لحافظون له من كل ما تخاف عليه.

قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ (13)
قال يعقوب: إني لَيؤلم نفسي مفارقته لي إذا ذهبتم به إلى المراعي، وأخشى أن يأكله الذئب، وأنتم عنه غافلون منشغلون.

قَالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذاً لَخَاسِرُونَ (14)
قال إخوة يوسف لوالدهم: لئن أكله الذئب، ونحن جماعة قوية إنا إذًا لخاسرون، لا خير فين، ولا نفع يُرْجَى منا.

فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (15)
فأرْسَلَهُ معهم. فلما ذهبوا به وأجمعوا على إلقائه في جوف البئر، وأوحينا إلى يوسف لتخبرنَّ إخوتك مستقبلا بفعلهم هذا الذي فعلوه بك، وهم لا يُحِسُّون بذلك الأمر ولا يشعرون به.

وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ (16)
وجاء إخوة يوسف إلى أبيهم في وقت العِشاء من أول الليل، يبكون ويظهرون الأسف والجزع.

قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ (17)
قالوا: يا أبانا إنا ذهبنا نتسابق في الجَرْي والرمي بالسهام، وتركنا يوسف عند زادنا وثيابن، فلم نقصِّر في حفظه، بل تركناه في مأمنن، وما فارقناه إلا وقتًا يسيرً، فأكله الذئب، وما أنت بمصدِّق لنا ولو كنا موصوفين بالصدق; لشدة حبك ليوسف.

وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ (18)
وجاؤوا بقميصه ملطخًا بدم غير دم يوسف; ليشهد على صدقهم، فكان دليلا على كذبهم; لأن القميص لم يُمَزَّقْ. فقال لهم أبوهم يعقوب عليه السلام: ما الأمر كما تقولون، بل زيَّنت لكم أنفسكم الأمَّارة بالسوء أمرًا قبيحًا في يوسف، فرأيتموه حسنًا وفعلتموه، فصبري صبر جميل لا شكوى معه لأحد من الخلق، وأستعين بالله على احتمال ما تصفون من الكذب، لا على حولي وقوتي.

وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ فَأَدْلَى دَلْوَهُ قَالَ يَا بُشْرَى هَذَا غُلامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (19)
وجاءت جماعة من المسافرين، فأرسلوا مَن يطلب لهم الماء، فلما أرسل دلوه في البئر تعلَّق بها يوسف، فقال واردهم: يا بشراي هذا غلام نفيس، وأخفى الواردُ وأصحابه يوسفَ من بقية المسافرين فلم يظهروه لهم، وقالوا: إن هذه بضاعة استبضعناه، والله عليم بما يعملونه بيوسف.

وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنْ الزَّاهِدِينَ (20)
وباعه إخوته للواردين من المسافرين بثمن قليل من الدراهم، وكانوا زاهدين فيه راغبين في التخلص منه; وذلك أنهم لا يعلمون منزلته عند الله.

وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (21)
ولما ذهب المسافرون بيوسف إلى "مصر" اشتراه منهم عزيزه، وهو الوزير، وقال لامرأته: أحسني معاملته، واجعلي مقامه عندنا كريمً، لعلنا نستفيد من خدمته، أو نقيمه عندنا مقام الولد، وكما أنجينا يوسف وجعلنا عزيز "مصر" يَعْطِف عليه، فكذلك مكنَّا له في أرض "مصر"، وجعلناه على خزائنه، ولنعلِّمه تفسير الرؤى فيعرف منها ما سيقع مستقبلا. والله غالب على أمره، فحكمه نافذ لا يبطله مبطل، ولكن أكثر الناس لا يعلمون أن الأمر كله بيد الله.

وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (22)
ولما بلغ يوسف منتهى قوته في شبابه أعطيناه فهمًا وعلمً، ومثل هذا الجزاء الذي جزينا به يوسف على إحسانه نجزي المحسنين على إحسانهم. وفي هذا تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم.

وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتْ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23)
ودعت امرأة العزيز -برفق ولين- يوسف الذي هو في بيتها إلى نفسها; لحبها الشديد له وحسن بهائه، وغلَّقت الأبواب عليها وعلى يوسف، وقالت: هلمَّ إليَّ، فقال: معاذ الله أعتصم به، وأستجير مِن الذي تدعينني إليه، من خيانة سيدي الذي أحسن منزلتي وأكرمني فلا أخونه في أهله، إنه لا يفلح مَن ظَلَم فَفَعل ما ليس له فعله.

وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ (24)
ولقد مالت نفسها لفعل الفاحشة، وحدَّثت يوسفَ نفسُه حديث خطرات للاستجابة، لولا أن رأى آية من آيات ربه تزجره عمَّا حدثته به نفسه، وإنما أريناه ذلك; لندفع عنه السوء والفاحشة في جميع أموره، إنه من عبادنا المطهرين المصطفَين للرسالة الذين أخلصوا في عبادتهم لله وتوحيده.

وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً إِلاَّ أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (25)
وأسرع يوسف إلى الباب يريد الخروج، وأسرعت تحاول الإمساك به، وجذبت قميصه من خلفه; لتحول بينه وبين الخروج فشقَّته، ووجدا زوجها عند الباب فقالت: ما جزاء مَن أراد بامرأتك فاحشة إلا أن يسجن أو يعذب العذاب الموجع.

قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنْ الْكَاذِبِينَ (26)
قال يوسف: هي التي طلبت مني ذلك، فشهد صبي في المهد مِن أهلها فقال: إن كان قميصه شُقَّ من الأمام فصدقت في اتِّهامها له، وهو من الكاذبين.

وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنْ الصَّادِقِينَ (27)
وإن كان قميصه شُقَّ من الخلف فكذبت في قوله، وهو من الصادقين.

فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (28)
فلما رأى الزوج قميص يوسف شُقَّ من خلفه علم براءة يوسف، وقال لزوجته: إن هذا الكذب الذي اتهمتِ به هذا الشاب هو مِن جملة مكركن -أيتها النساء-، إنَّ مكركن عظيم.

يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنتِ مِنْ الْخَاطِئِينَ (29)
قال عزيز "مصر": يا يوسف اترك ذِكْر ما كان منها فلا تذكره لأحد، واطلبي -أيتها المرأة- المغفرة لذنبك؛ إنك كنتِ من الآثمين في مراودة يوسف عن نفسه، وفي افترائك عليه.

وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبّاً إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ (30)
ووصل الخبر إلى نسوة في المدينة فتحدثن به، وقلن منكرات على امرأة العزيز: امرأة العزيز تحاول غلامها عن نفسه، وتدعوه إلى نفسه، وقد بلغ حبها له شَغَاف قلبها (وهو غلافه)، إنا لَنراها في هذا الفعل لفي ضلال واضح.

فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّيناً وَقَالَتْ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا هَذَا بَشَراً إِنْ هَذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ (31)
فلما سمعت امرأة العزيز بغِيْبتهن إياها واحتيالهن في ذمِّه، أرسلت إليهن تدعوهن لزيارته، وهيَّأت لهن ما يتكئن عليه من الوسائد، وما يأكلنه من الطعام، وأعطت كل واحدة منهن سكينًا ليُقَطِّعن الطعام، ثم قالت ليوسف: اخرج عليهن، فلما رأينه أعظمنه وأجللنه، وأخَذَهن حسنه وجماله، فجرحن أيديهن وهن يُقَطِّعن الطعام من فرط الدهشة والذهول، وقلن متعجبات: معاذ الله، ما هذا من جنس البشر; لأن جماله غير معهود في البشر، ما هو إلا مَلَك كريم من الملائكة.

قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونَ مِنَ الصَّاغِرِينَ (32)
قالت امرأة العزيز للنسوة اللاتي قطَّعن أيديهن: فهذا الذي أصابكن في رؤيتكن إياه ما أصابكن هو الفتى الذي لُمتُنَّني في الافتتان به، ولقد طلبته وحاولت إغراءه; ليستجيب لي فامتنع وأبى، ولئن لم يفعل ما آمره به مستقبلا لَيعاقَبَنَّ بدخول السجن، ولَيكونن من الأذلاء.

قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنْ الْجَاهِلِينَ (33)
قال يوسف مستعيذًا مِن شرهن ومكرهن: يا ربِّ السجنُ أحب إليَّ مما يدعونني إليه من عمل الفاحشة، وإن لم تدفع عني مكرهن أَمِلْ إليهن، وأكن من السفهاء الذين يرتكبون الإثم لجهلهم.

فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (34)
فاستجاب الله ليوسف دعاءه فصرف عنه ما أرادت منه امرأة العزيز وصواحباتها من معصية الله. إن الله هو السميع لدعاء يوسف، ودعاء كل داع مِن خلقه، العليم بمطلبه وحاجته وما يصلحه، وبحاجة جميع خلقه وما يصلحهم.

ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوْا الآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ (35)
ثم ظهر للعزيز وأصحابه -من بعد ما رأوا الأدلة على براءة يوسف وعفته- أن يسجنوه إلى زمن يطول أو يقصر; منعًا للفضيحة.

وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْراً وَقَالَ الآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنْ الْمُحْسِنِينَ (36)
ودخل السجن مع يوسف فَتَيان، قال أحدهما: إني رأيت في المنام أني أعصر عنبًا ليصير خمرً، وقال الآخر: إني رأيت أني أحمل فوق رأسي خبزًا تأكل الطير منه، أخبرنا -يا يوسف -بتفسير ما رأين، إنا نراك من الذين يحسنون في عبادتهم لله، ومعاملتهم لخلقه.

قَالَ لا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلاَّ نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (37)
قال لهما يوسف: لا يأتيكما طعام ترزقانه في حال من الأحوال إلا أخبرتكما بتفسيره قبل أن يأتيكم، ذلكما التعبير الذي سأعبِّره لكما مما علَّمني ربي; إني آمنت به، وأخلصت له العبادة، وابتعدت عن دين قوم لا يؤمنون بالله، وهم بالبعث والحساب جاحدون.

وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ (38)
واتبعت دين آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب فعبدت الله وحده، ما كان لنا أن نجعل لله شريكًا في عبادته، ذلك التوحيد بإفراد الله بالعبادة، مما تفضل الله به علينا وعلى الناس، ولكن أكثر الناس لا يشكرون الله على نعمة التوحيد والإيمان.

يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمْ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (39)
وقال يوسف للفَتَيين اللذين معه في السجن: أعبادةُ آلهةٍ مخلوقة شتى خير أم عبادة الله الواحد القهار؟

مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (40)
ما تعبدون من دون الله إلا أسماءً لا معاني وراءه، جعلتموها أنتم وآباؤكم أربابًا جهلا منكم وضلالا، ما أنزل الله من حجة أو برهان على صحته، ما الحكم الحق إلا لله تعالى وحده، لا شريك له، أمر ألا تنقادوا ولا تخضعوا لغيره، وأن تعبدوه وحده، وهذا هو الدين القيم الذي لا عوج فيه، ولكن أكثر الناس يجهلون ذلك، فلا يعلمون حقيقته.

يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْراً وَأَمَّا الآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْ رَأْسِهِ قُضِيَ الأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ (41)
يا صاحبيَّ في السجن، إليكما تفسيرَ رؤياكما: أما الذي رأى أنه يعصر العنب في رؤياه فإنه يخرج من السجن ويكون ساقي الخمر للملك، وأما الآخر الذي رأى أنه يحمل على رأسه خبزًا فإنه يُصْلب ويُتْرك، وتأكل الطير من رأسه، قُضي الأمر الذي فيه تستفتيان وفُرغ منه.

وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ (42)
وقال يوسف للذي علم أنه ناجٍ من صاحبيه: اذكرني عند سيِّدك الملك وأخبره بأني مظلوم محبوس بلا ذنب، فأنسى الشيطان ذلك الرجل أن يذكر للملك حال يوسف، فمكث يوسف بعد ذلك في السجن عدة سنوات.

وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَا أَيُّهَا الْمَلأ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَاي إِنْ كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ (43)
وقال الملك: إني رأيت في منامي سبع بقرات سمان، يأكلهن سبع بقرات نحيلات من الـهُزال، ورأيت سبع سنبلات خضر، وسبع سنبلات يابسات، يا أيها السادة والكبراء أخبروني عن هذه الرؤي، إن كنتم للرؤيا تُفَسِّرون.

قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلامٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الأَحْلامِ بِعَالِمِينَ (44)
قالوا: رؤياك هذه أخلاط أحلام لا تأويل له، وما نحن بتفسير الأحلام بعالمين.

وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَاِدَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ (45)

وقال الذي نجا من القتل من صاحبَي يوسف في السجن وتذكر بعد مدة ما نسي من أمر يوسف: أنا أخبركم بتأويل هذه الرؤي، فابعثوني إلى يوسف لآتيكم بتفسيرها.
يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنْبُلاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ (46)
وعندما وصل الرجل إلى يوسف قال له: يوسف أيها الصديق فسِّر لنا رؤيا مَن رأى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع بقرات هزيلات، ورأى سبع سنبلات خضر وأخر يابسات; لعلي أرجع إلى الملك وأصحابه فأخبرهم; ليعلموا تأويل ما سألتك عنه، وليعلموا مكانتك وفضلك.

قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّا تَأْكُلُونَ (47)
قال يوسف لسائله عن رؤيا الملك: تفسير هذه الرؤيا أنكم تزرعون سبع سنين متتابعة جادِّين ليَكْثُر العطاء، فما حصدتم منه في كل مرة فادَّخِروه، واتركوه في سنبله; ليتمَّ حفظه من التسوُّس، وليكون أبقى، إلا قليلا مما تأكلونه من الحبوب.

ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّا تُحْصِنُونَ (48)
ثم يأتي بعد هذه السنين الخِصْبة سبع سنين شديدة الجَدْب، يأكل أهلها كل ما ادَّخرتم لهن من قبل، إلا قليلا مما تحفظونه وتدَّخرونه ليكون بذورًا للزراعة.

ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ (49)
ثم يأتي من بعد هذه السنين المجدبة عام يغاث فيه الناس بالمطر، فيرفع الله تعالى عنهم الشدة، ويعصرون فيه الثمار من كثرة الخِصْب والنماء.

وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللاَّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ (50)
وقال الملك لأعوانه: أخرجوا الرجل المعبِّر للرؤيا من السجن وأحضروه لي، فلما جاءه رسول الملك يدعوه قال يوسف للرسول: ارجع إلى سيدك الملك، واطلب منه أن يسأل النسوة اللاتي جرحن أيديهن عن حقيقة أمرهن وشأنهن معي; لتظهر الحقيقة للجميع، وتتضح براءتي، إن ربي عليم بصنيعهن وأفعالهن لا يخفى عليه شيء من ذلك.

قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قَالَتْ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدتُّهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنْ الصَّادِقِينَ (51)
قال الملك للنسوة اللاتي جرحن أيديهن: ما شأنكن حين راودتنَّ يوسف عن نفسه يوم الضيافة؟ فهل رأيتن منه ما يريب؟ قلن: معاذ الله ما علمنا عليه أدنى شيء يَشينه، عند ذلك قالت امراة العزيز: الآن ظهر الحق بعد خفائه، فأنا التي حاولت فتنته بإغرائه فامتنع، وإنه لمن الصادقين في كل ما قاله.

ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ (52)
ذلك القول الذي قلته في تنزيهه والإقرار على نفسي ليعلم زوجي أني لم أخنه بالكذب عليه، ولم تقع مني الفاحشة، وأنني راودته، واعترفت بذلك لإظهار براءتي وبراءته، وأن الله لا يوفق أهل الخيانة، ولا يرشدهم في خيانتهم.



الجزء الثالث عشر




وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (53)
قالت امرأة العزيز: وما أزكي نفسي ولا أبرئه، إن النفس لكثيرة الأمر لصاحبها بعمل المعاصي طلبا لملذاته، إلا مَن عصمه الله. إن الله غفور لذنوب مَن تاب مِن عباده، رحيم بهم.

وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ (54)
وقال الملك الحاكم لـ "مصر" حين بلغته براءة يوسف: جيئوني به أجعله من خلصائي وأهل مشورتي، فلما جاء يوسف وكلَّمه الملك، وعرف براءته، وعظيم أمانته، وحسن خلقه، قال له: إنك اليوم عندنا عظيم المكانة، ومؤتمن على كل شيء.

قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (55)
وأراد يوسف أن ينفع العباد، ويقيم العدل بينهم، فقال للملك: اجعلني واليًا على خزائن "مصر"، فإني خازن أمين، ذو علم وبصيرة بما أتولاه.

وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (56)
وكما أنعم الله على يوسف بالخلاص من السجن مكَّن له في أرض "مصر" ينزل منها أي منزل شاءه. يصيب الله برحمته من يشاء من عباده المتقين، ولا يضيع أجر مَن أحسن شيئًا مِن العمل الصالح.

وَلأَجْرُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (57)
ولَثواب الآخرة عند الله أعظم من ثواب الدنيا لأهل الإيمان والتقوى الذين يخافون عقاب الله، ويطيعونه في أمره ونهيه.

وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ (58)
وقدِمَ إخوة يوسف إلى "مصر" -بعد أن حلَّ بهم الجدب في أرضهم-; ليجلبوا منها الطعام، فدخلوا عليه فعرفهم، ولم يعرفوه لطول المدة وتغيُّر هيئته.

وَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ قَالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ أَلا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَأَنَا خَيْرُ الْمُنزِلِينَ (59)
وقد أمر يوسف بإكرامهم وحسن ضيافتهم، ثم أعطاهم من الطعام ما طلبو، وكانوا قد أخبروه أن لهم أخًا من أبيهم لم يُحضروه معهم -يريدون شقيقه- فقال: ائتوني بأخيكم من أبيكم، ألم تروا أني أوفيتُ لكم الكيل وأكرمتكم في الضيافة، وأنا خير المضيفين لكم؟

فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلا كَيْلَ لَكُمْ عِندِي وَلا تَقْرَبُونِ (60)
فإن لم تأتوني به فليس لكم عندي طعام أكيله لكم، ولا تأتوا إليَّ.

قَالُواْ سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ وَإِنَّا لَفَاعِلُونَ (61)
قالوا: سنبذل جهدنا لإقناع أبيه أن يرسله معن، ولن نقصِّر في ذلك.

وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ اجْعَلُواْ بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا إِذَا انقَلَبُواْ إِلَى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (62)
وقال يوسف لغلمانه: اجعلوا ثمن ما أخذوه في أمتعتهم سرًا; رجاء أن يعرفوه إذا رجعوا إلى أهلهم، ويقدِّروا إكرامنا لهم؛ ليرجعوا طمعًا في عطائنا.

فَلَمَّا رَجِعُوا إِلَى أَبِيهِمْ قَالُواْ يَا أَبَانَا مُنِعَ مِنَّا الْكَيْلُ فَأَرْسِلْ مَعَنَا أَخَانَا نَكْتَلْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (63)
فلما رجعوا إلى أبيهم قصُّوا عليه ما كان من إكرام العزيز لهم، وقالوا: إنه لن يعطينا مستقبَلا إلا إذا كان معنا أخونا الذي أخبرناه به، فأرسلْه معنا نحضر الطعام وافيً، ونتعهد لك بحفظه.

قَالَ هَلْ آمَنُكُمْ عَلَيْهِ إِلاَّ كَمَا أَمِنتُكُمْ عَلَى أَخِيهِ مِن قَبْلُ فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (64)
قال لهم أبوهم: كيف آمنكم على "بنيامين" وقد أمنتكم على أخيه يوسف من قبل، والتزمتم بحفظه فلم تفوا بذلك؟ فلا أثق بالتزامكم وحفظكم، ولكني أثق بحفظ الله، خير الحافظين وأرحم الراحمين، أرجو أن يرحمني فيحفظه ويرده عليَّ.

وَلَمَّا فَتَحُوا مَتَاعَهُمْ وَجَدُوا بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قَالُوا يَا أَبَانَا مَا نَبْغِي هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا وَنَمِيرُ أَهْلَنَا وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذَلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ (65)
ولما فتحوا أوعيتهم وجدوا ثمن بضاعتهم الذي دفعوه قد رُدَّ إليهم قالوا: يا أبانا ماذا نطلب أكثر من هذا؟ هذا ثمن بضاعتنا ردَّه العزيز إلين، فكن مطمئنًا على أخين، وأرسله معنا; لنجلب طعامًا وفيرًا لأهلن، ونحفظ أخان، ونزداد حِمْلَ بعير له; فإن العزيز يكيل لكل واحد حِمْلَ بعير، وذلك كيل يسير عليه.

قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِي مَوْثِقاً مِنْ اللَّهِ لَتَأْتُونَنِي بِهِ إِلاَّ أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ (66)
قال لهم يعقوب: لن أتركه يذهب معكم حتى تتعهدوا وتحلفوا لي بالله أن تردوه إليَّ، إلا أن تُغْلبوا عليه فلا تستطيعوا تخليصه، فلما أعطَوْه عهد الله على ما طلب، قال يعقوب: الله على ما نقول وكيل، أي تكفينا شهادته علينا وحفظه لنا.

وَقَالَ يَا بَنِي لا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنكُمْ مِنْ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنْ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُتَوَكِّلُونَ (67)
وقال لهم أبوهم: يا أبنائي إذا دخلتم أرض "مصر" فلا تدخلوا مِن باب واحد، ولكن ادخلوها من أبواب متفرقة، حتى لا تصيبكم العين، وإني إذ أوصيكم بهذا لا أدفع عنكم شيئًا قضاه الله عليكم، فما الحكم إلا لله وحده، عليه اعتمدت ووثقت، وعليه وحده يعتمد المؤمنون.

وَلَمَّا دَخَلُوا مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُمْ مَا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِنْ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (68)
ولما دخلوا من أبواب متفرقة كما أمرهم أبوهم، ما كان ذلك ليدفع قضاء الله عنهم، ولكن كان شفقة في نفس يعقوب عليهم أن تصيبهم العين، وإن يعقوب لصاحب علمٍ عظيم بأمر دينه علَّمه الله له وحْيً، ولكن أكثر الناس لا يعلمون عواقب الأمور ودقائق الأشياء، وما يعلمه يعقوب -عليه السلام- مِن أمر دينه.

وَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَخَاهُ قَالَ إِنِّي أَنَا أَخُوكَ فَلا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (69)
ولما دخل إخوة يوسف عليه في منزل ضيافته ومعهم شقيقه، ضم يوسف إليه شقيقه، وقال له سرًا: إني أنا أخوك فلا تحزن، ولا تغتمَّ بما صنعوه بي فيما مضى. وأمره بكتمان ذلك عنهم.

فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ (70)
فلما جهزَّهم يوسف، وحمَّل إبلهم بالطعام، أمر عماله، فوضعوا الإناء الذي كان يكيل للناس به في متاع أخيه "بنيامين" من حيث لا يشعر أحد، ولما ركبوا ليسيروا نادى منادٍ قائلا يا أصحاب هذه العير المحمَّلة بالطعام، إنكم لسارقون.

قَالُوا وَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ مَاذَا تَفْقِدُونَ (71)
قال أولاد يعقوب مقبلين على المنادي: ما الذي تفقدونه؟

قَالُوا نَفْقِدُ صُوَاعَ الْمَلِكِ وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ (72)
قال المنادي ومَن بحضرته: نفقد المكيال الذي يكيل الملك به، ومكافأة من يحضره مقدار حِمْل بعير من الطعام، وقال المنادي: وأنا بحِمْل البعير من الطعام ضامن وكفيل.

قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ (73)
قال إخوة يوسف: والله لقد تحققتم مما شاهدتموه منا أننا ما جئنا أرض "مصر" من أجل الإفساد فيه، وليس من صفاتنا أن نكون سارقين.

قَالُوا فَمَا جَزَاؤُهُ إِنْ كُنتُمْ كَاذِبِينَ (74)
قال المكلَّفون بالبحث عن المكيال لإخوة يوسف: فما عقوبة السارق عندكم إن كنتم كاذبين في قولكم: لسنا بسارقين؟

قَالُوا جَزَاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزَاؤُهُ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ (75)
قال إخوة يوسف: جزاء السارق مَن وُجِد المسروق في رحله فهو جزاؤه. أي يسلَّم بسرقته إلى مَن سرق منه حتى يكون عبدًا عنده، مثل هذا الجزاء -وهو الاسترقاق- نجزي الظالمين بالسرقة، وهذا ديننا وسنتنا في أهل السرقة.

فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ (76)
ورجعوا بإخوة يوسف إليه، فقام بنفسه يفتش أمتعتهم، فبدأ بأمتعتهم قبل متاع شقيقه; إحكامًا لما دبَّره لاستبقاء أخيه معه، ثم انتهى بوعاء أخيه، فاستخرج الإناء منه، كذلك يسَّرنا ليوسف هذا التدبير الذي توصَّل به لأخذ أخيه، وما كان له أن يأخذ أخاه في حكم مَلِك "مصر"; لأنه ليس من دينه أن يتملك السارق، إلا أن مشيئة الله اقتضت هذا التدبير والاحتكام إلى شريعة إخوة يوسف القاضية برِقِّ السارق. نرفع منازل مَن نشاء في الدنيا على غيره كما رفعنا منزلة يوسف. وفوق كل ذي علمٍ من هو أعلم منه، حتى ينتهي العلم إلى الله تعالى عالم الغيب والشهادة.

قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَاناً وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ (77)
قال إخوة يوسف: إنْ سرق هذا فقد سرق أخ شقيق له من قبل (يقصدون يوسف عليه السلام) فأخفى يوسف في نفسه ما سمعه، وحدَّث نفسه قائلا أنتم أسوأ منزلة ممن ذكرتم، حيث دبَّرتم لي ما كان منكم، والله أعلم بما تصفون من الكذب والافتراء.

قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنْ الْمُحْسِنِينَ (78)
قالوا مستعطفين ليوفوا بعهد أبيهم: يا أيها العزيز إن له والدًا كبيرًا في السن يحبه ولا يطيق بُعده، فخُذْ أحدنا بدلا من "بنيامين"، إنا نراك من المحسنين في معاملتك لنا ولغيرنا.

قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلاَّ مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ إِنَّا إِذاً لَظَالِمُونَ (79)
قال يوسف: نعتصم بالله ونستجير به أن نأخذ أحدًا غير الذي وجدنا المكيال عنده -كما حكمتم أنتم-، فإننا إن فعلنا ما تطلبون نكون في عداد الظالمين.

فَلَمَّا اسْتَيْئَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيّاً قَالَ كَبِيرُهُمْ أَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ أَخَذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقاً مِنْ اللَّهِ وَمِنْ قَبْلُ مَا فَرَّطتُمْ فِي يُوسُفَ فَلَنْ أَبْرَحَ الأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي أَوْ يَحْكُمَ اللَّهُ لِي وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ (80)
فلما يئسوا من إجابته إياهم لِمَا طلبوه انفردوا عن الناس، وأخذوا يتشاورون فيما بينهم، قال كبيرهم في السن: ألم تعلموا أن أباكم قد أخذ عليكم العهد المؤكد لتردُّنَّ أخاكم إلا أن تُغلبو، ومن قبل هذا كان تقصيركم في يوسف وغدركم به; لذلك لن أفارق أرض "مصر" حتى يأذن لي أبي في مفارقته، أو يقضي لي ربي بالخروج منه، وأتمكن مِن أَخْذِ أخي، والله خيرُ مَن حَكَمَ، وأعدل مَن فَصَلَ بين الناس.

ارْجِعُوا إِلَى أَبِيكُمْ فَقُولُوا يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ وَمَا شَهِدْنَا إِلاَّ بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حافِظِينَ (81)
ارجعوا أنتم إلى أبيكم، وأخبروه بما جرى، وقولوا له: إن ابنك "بنيامين" قد سرق، وما شهدنا بذلك إلا بعد أن تَيَقَّنَّ، فقد رأينا المكيال في رحله، وما كان عندنا علم الغيب أنه سيسرق حين عاهدناك على ردِّه.

وَاسْأَلْ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (82)
واسأل -يا أبانا- أهل "مصر"، ومَن كان معنا في القافلة التي كنا فيه، وإننا صادقون فيما أخبرناك به.

قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (83)
ولما رجعوا وأخبروا أباهم قال لهم: بل زَيَّنَت لكم أنفسكم الأمَّارة بالسوء مكيدة دبَّرتموها كما فعلتم مِن قبل مع يوسف، فصبري صبر جميل لا جزع فيه ولا شكوى معه، عسى الله أن يردَّ إليَّ أبنائي الثلاثة -وهم يوسف وشقيقه وأخوهم الكبير المتخلف من أجل أخيه- إنه هو العليم بحالي، الحكيم في تدبيره.

وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ (84)
وأعرض يعقوب عنهم، وقد ضاق صدره بما قالوه، وقال: يا حسرتا على يوسف وابيضَّتْ عيناه، بذهاب سوادهما مِن شدة الحزن فهو ممتلئ القلب حزنً، ولكنه شديد الكتمان له.

قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنْ الْهَالِكِينَ (85)
قال بنوه: تالله ما تزال تتذكر يوسف، ويشتدُّ حزنك عليه حتى تُشْرِف على الهلاك أو تهلك فعلا فخفف عن نفسك.

قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنْ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ (86)
قال يعقوب مجيبًا لهم: لا أظهر همِّي وحزني إلا لله وحده، فهو كاشف الضرِّ والبلاء، وأعلم من رحمة الله وفرجه ما لا تعلمونه.

يَا بَنِي اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الكَافِرُونَ (87)
قال يعقوب: يا أبنائي عودوا إلى "مصر" فاستقصوا أخبار يوسف وأخيه، ولا تقطعوا رجاءكم من رحمة الله، إنه لا يقطع الرجاء من رحمة الله إلا الجاحدون لقدرته، الكافرون به.

فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالُوا يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضُّرُّ وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُزْجَاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَا إِنَّ اللَّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ (88)
فذهبوا إلى "مصر"، فلما دخلوا على يوسف قالوا: يا أيها العزيز أصابنا وأهلنا القحط والجدب، وجئناك بثمن رديء قليل، فأعطنا به ما كنت تعطينا من قبل بالثمن الجيد، وتصدَّقْ علينا بقبض هذه الدراهم المزجاة وتجوَّز فيه، إن الله تعالى يثيب المتفضِّلين على أهل الحاجة بأموالهم.

قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جَاهِلُونَ (89)
فلما سمع مقالتهم رقَّ لهم، وعرَّفهم بنفسه وقال: هل تذكرون الذي فعلتموه بيوسف وأخيه من الأذى في حال جَهْلكم بعاقبة ما تفعلون؟

قَالُوا أَئِنَّكَ لأَنْتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (90)
قالوا: أإنَّك لأنت يوسف؟ قال: نعم أنا يوسف، وهذا شقيقي، قد تفضَّل الله علين، فجمع بيننا بعد الفرقة، إنه من يتق الله، ويصبر على المحن، فإن الله لا يذهب ثواب إحسانه، وإنما يجزيه أحسن الجزاء.

قَالُوا تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ (91)
قالوا: تالله لقد فَضَّلك الله علينا وأعزَّك بالعلم والحلم والفضل، وإن كنا لخاطئين بما فعلناه عمدًا بك وبأخيك.

قَالَ لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمْ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (92)
قال لهم يوسف: لا تأنيب عليكم اليوم، يغفر الله لكم، وهو أرحم الراحمين لمن تاب من ذنبه وأناب إلى طاعته.

اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ (93)
ولما سألهم عن أبيه أخبروه بذهاب بصره من البكاء عليه، فقال لهم: عودوا إلى أبيكم ومعكم قميصي هذا فاطرحوه على وجه أبي يَعُدْ إليه بصره، ثم أحضروا إليَّ جميع أهلكم.

وَلَمَّا فَصَلَتْ الْعِيرُ قَالَ أَبُوهُمْ إِنِّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلا أَنْ تُفَنِّدُونِ (94)
ولما خرجت القافلة من أرض "مصر"، ومعهم القميص قال يعقوب لمن حضره: إني لأجد ريح يوسف لولا أن تسفهوني وتسخروا مني، وتزعموا أن هذا الكلام صدر مني من غير شعور.

قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ (95)
قال الحاضرون عنده: تالله إنك لا تزال في خطئك القديم مِن حب يوسف، وأنك لا تنساه.

فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيراً قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنْ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ (96)
فلما أن جاء من يُبشِّر يعقوب بأن يوسف حيٌّ، وطرح قميص يوسف على وجهه فعاد يعقوب مبصرً، وعمَّه السرور فقال لمن عنده: ألـمْ أخبركم أني أعلم من الله ما لا تعلمونه من فضل الله ورحمته وكرمه؟

قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ (97)
قال بنوه: يا أبانا سل لنا ربك أن يعفو عنا ويستر علينا ذنوبن، إنا كنا خاطئين فيما فعلناه بيوسف وشقيقه.

قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (98)
قال يعقوب: سوف أسأل ربي أن يغفر لكم ذنوبكم، إنه هو الغفور لذنوب عباده التائبين، الرحيم بهم.

فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ (99)
وخرج يعقوب وأهله إلى "مصر" قاصدين يوسف، فلما وصلوا إليه ضمَّ يوسف إليه أبويه، وقال لهم: ادخلوا "مصر" بمشيئة الله، وأنتم آمنون من الجهد والقحط، ومن كل مكروه.

وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَاي مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنْ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنْ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (100)
وأجْلَسَ أباه وأمه على سرير ملكه بجانبه; إكرامًا لهم، وحيَّاه أبواه وإخوته الأحد عشر بالسجود له تحية وتكريمً، لا عبادة وخضوعً، وكان ذلك جائزًا في شريعتهم، وقد حَرُم في شريعتنا; سدًا لذريعة الشرك بالله. وقال يوسف لأبيه: هذا السجود هو تفسير رؤياي التي قصصتها عليك من قبل في صغري، قد جعلها ربي صدقً، وقد تفضَّل عليَّ حين أخرجني من السجن، وجاء بكم إليَّ من البادية، من بعد أن أفسد الشيطان رابطة الأخوة بيني وبين إخوتي. إن ربي لطيف التدبير لما يشاء، إنه هو العليم بمصالح عباده، الحكيم في أقواله وأفعاله.

رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنْ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (101)
ثم دعا يوسف ربه قائلا ربِّ قد أعطيتني من ملك "مصر"، وعلَّمتني من تفسير الرؤى وغير ذلك من العلم، يا خالق السموات والأرض ومبدعهم، أنت متولي جميع شأني في الدنيا والآخرة، توفني إليك مسلمً، وألحقني بعبادك الصالحين من الأنبياء الأبرار والأصفياء الأخيار.

ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ (102)
ذلك المذكور من قصة يوسف هو من أخبار الغيب نخبرك به -أيها الرسول- وحيً، وما كنت حاضرًا مع إخوة يوسف حين دبَّروا له الإلقاء في البئر، واحتالوا عليه وعلى أبيه. وهذا يدل على صدقك، وأن الله يُوحِي إليك.

وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (103)
وما أكثرُ المشركين من قومك -أيها الرسول- بمصدِّقيك ولا متبعيك، ولو حَرَصْتَ على إيمانهم، فلا تحزن على ذلك.

وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (104)
وما تطلب من قومك أجرة على إرشادهم للإيمان، إن الذي أُرسلتَ به من القرآن والهدى عظة للناس أجمعين يتذكرون به ويهتدون.

وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّمَوَاتِوَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ (105)
وكثير من الدلائل الدالة على وحدانية الله وقدرته منتشرة في السموات والأرض، كالشمس والقمر والجبال والأشجار، يشاهدونها وهم عنها معرضون، لا يفكرون فيها ولا يعتبرون.

وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلاَّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ (106)
وما يُقِرُّ هؤلاء المعرضون عن آيات الله بأن الله خالقهم ورازقهم وخالق كل شيء ومستحق للعبادة وحده إلا وهم مشركون في عبادتهم الأوثان والأصنام. تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرا.

أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غَاشِيَةٌ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ أَوْ تَأْتِيَهُمْ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (107)
فهل عندهم ما يجعلهم آمنين أن ينزل بهم عذاب من الله يعُمُّهم، أو أن تأتيهم القيامة فجأة، وهم لا يشعرون ولا يُحِسُّون بذلك.

قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ (108)
قل لهم -أيها الرسول-: هذه طريقتي، أدعو إلى عبادة الله وحده، على حجة من الله ويقين، أنا ومن اقتدى بي، وأنزِّه الله سبحانه وتعالى عن الشركاء، ولستُ من المشركين مع الله غيره.

وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلا تَعْقِلُونَ (109)
وما أرسلنا من قبلك -أيها الرسول- للناس إلا رجالا منهم ننزل عليهم وحين، وهم من أهل الحاضرة، فهم أقدر على فهم الدعوة والرسالة، يصدقهم المهتدون للحق، ويكذبهم الضالون عنه، أفلم يمشوا في الأرض، فيعاينوا كيف كان مآل المكذبين السابقين وما حلَّ بهم من الهلاك؟ ولَثواب الدار الآخرة أفضل من الدنيا وما فيها للذين آمنوا وخافوا ربهم. أفلا تتفكرون فتعتبروا؟

حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنْ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (110)
ولا تستعجل -أيها الرسول- النصر على مكذبيك، فإن الرسل قبلك ما كان يأتيهم النصر عاجلا لحكمة نعلمه، حتى إذا يئس الرسل من قومهم، وأيقنوا أن قومهم قد كذبوهم ولا أمل في إيمانهم، جاءهم نصرنا عند شدة الكرب، فننجي من نشاء من الرسل وأتباعهم، ولا يُرَدُّ عذابنا عمَّن أجرم وتجرَّأ على الله. وفي هذا تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم.

لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (111)
لقد كان في نبأ المرسلين الذي قصصناه عليك وما حلَّ بالمكذبين عظة لأهل العقول السليمة. ما كان هذا القرآن حديثًا مكذوبًا مختلَقً، ولكن أنزلناه مصدقًا لما سبقه من الكتب السماوية، وبيانًا لكل ما يحتاج إليه العباد من تحليل وتحريم، ومحبوب ومكروه وغير ذلك، وإرشادًا من الضلال، ورحمة لأهل الإيمان تهتدي به قلوبهم، فيعملون بما فيه من الأوامر والنواهي.



2

أضف تعليق
الاسم
الدولة
التعليق
رمز التحقق
تغيير الصورة


تعليقات من الزائرين






جميع الحقوق محفوظة لإذاعة القرآن الكريم 2011

تفسير سورة يوسف

اسباب نزول القرآن

أسباب النزول
أ- تعريف السبب
ب-
قسم نزل بدون سبب وهو أكثر القرآن
قسم نزل مرتبط بسبب من الأسباب
جـ- الحكمة والفوائد من أسباب النزول
د-كيفية معرفة أسباب النزول
هـ- صيغة السبب
و- اختلاف روايات أسباب النزول
أ- ضعف الرواة

ب- تعدد الأسباب والمُنَزَّل واحد
ج- أن يتعدد نزول النص لتعدد الأسباب
ز- تعدد النزول مع وحدة السبب
حـ- تقدم نزول الآية على الحكم (المثال الأول - المثال الثاني -المثال الثالث - تعدد ما نزل في شخص واحد -موافقات عمر بن الخطاب رضي الله عنه -نزلت آيات في سعد بن أبي وقاص)
ي- أمثلة عن أسباب النزول



أ- تعريف السبب:

لغة: الحبل. ثم استعمل لكل شيء يتوصل به إلى غيره.

شرعاً: ما يكون طريقاً للوصول إلى الحكم غير مؤثر فيه. مثاله: زوال الشمس علامة لوجوب الصلاة، وطلوع الهلال علامة على وجوب صوم رمضان في قوله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185].

للاعلى

ب-أسباب النزول:

-1 قسم نزل بدون سبب ، وهو أكثر القرآن.

-2 قسم نزل مرتبط بسبب من الأسباب. ومن هذه الأسباب:

أ- حدوث واقعة معينة فينزل القرآن الكريم بشأنها:

عن ابن عباس قال: لما نزلت: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} [ الشعراء: 214]. خرج النبي صلى الله عليه وسلم حتى صعد الصفا، فهتف: يا صباحاه، فاجتمعوا إليه فقال" أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلاً تخرج بسفح هذا الجبل أكنتم مصدقي؟.." الحديث ، فقال أبو لهب تباً لك، إنما جمعتنا لهذا، ثم قام، فنزل قوله تعالى: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} [المسد: 1].

ب-أن يُسال الرسول صلى الله عليه وسلم عن شيء، فينزل القرآن ببيان الحكم مثال ذلك: عن عبد الله قال: إني مع النبي صلى الله عليه وسلم في حرث بالمدينة وهو متكىء على عسيب، فمر بنا ناس من اليهود فقالوا: سلوه عن الروح، فقال بعضهم: لا تسألوه فيستقبلكم بما تكرهون، فأتاه نفر منهم فقالوا له: يا أبا القاسم ما تقول في الروح؟ فسكت، ثم قام، فأمسك وجهه بيده على جبهته، فعرفت أنه ينزل عليه، فأنزل الله عليه: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الرُّوحِ قُلْ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ الْعِلْمِ إِلا قَلِيلا} [الإسراء: 85].

للاعلى

جـ- الحكمة والفوائد من أسباب النزول:

-1الحكمة:

أ- معرفة وجه ما ينطوي عليه تشريع الحكم على التعيين لما فيه نفع المؤمنين وغير المؤمنين، فالمؤمن يزداد إيماناً على إيمانه لما شاهده وعرف سبب نزوله، والكافر إن كان منصفاً يبهره صدق هذه الرسالة الإلهية فيكون سبباً لإسلامه، لأن ما نزل بسبب من الأسباب إنما يدل على عظمة المُنزل وصدق المُنزَل عليه.

-2الفوائد:

أ- الاستعانة على فهم الآية وتفسيرها وإزالة الإشكال عنها، لما هو معلوم من الارتباط بين السبب والمسبب.

قال الواحدي: لا يمكن تفسير الآية دون الوقوف على قصتها وبيان نزولها.

قال ابن دقيق العيد: بيان سبب النزول طريق قوي في فهم معاني القرآن.

قال ابن تيمية: معرفة سبب النزول يعين على فهم الآية، فإن العلم بالسبب يورث العلم بالمسبب.

وقد أشكل على مروان بن الحكم قوله تعالى: {لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوا...} [آل عمران: 188].

وقال: لئن كان كل امرىء فرح بما أُوتي، وأحب أن يحمد بما لم يفعل معذباً، لنعذبنَّ أجمعون، حتى بين له ابن عباس أن الآية نزلت في أهل الكتاب حين سألهم النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء، فكتموه إياه، وأخبروه بغيره، وأَرَوْه أنهم أخبروه بما سألهم عنه، واستحمدوا بذلك إليه.

ب- أن لفظ الآية يكون عاماً، ويقوم الدليل على تخصيصه، فإذا عُرف السبب قصر التخصيص على ما عدا صورته.

جـ- دفع توهم الحصر، قال الإمام الشافعي ما معناه في قوله تعالى: {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا...} [الأنعام: 145]: إن الكفار لما حرموا ما أحل الله، وأحلوا ما حرم الله، وكانوا على المضادة - أي تصرفهم بقصد المخالفة - جاءت الآية مناقضة لغرضهم فكأنه قال: لا حلال إلا ما حرمتموه، ولا حرام إلا ما أحللتموه.

للاعلى

د-كيفية معرفة أسباب النزول:

لما كان سبب النزول أمراً واقعاً نزلت بشأنه الآية، كان من البَدَهي ألا يدخل العلم بهذه الأسباب في دائرة الرأي والاجتهاد، لهذا قال الإمام الواحدي: ولا يحل القول في أسباب النزول إلا بالرواية والسماع ممن شاهدوا التنزيل ووقفوا على الأسباب، وبحثوا عن علمها.

ومن هنا نفهم تشدد السلف في البحث عن أسباب النزول، حتى قال الإمام محمد بن سيرين: سألت عَبيدَةَ عن آية من القرآن، فقال: اتق الله وقل سداداً، ذهَب الذين يعلمون فيما أنزل القرآن.

وقد اتفق علماء الحديث على اعتبار قول الصحابي في سبب النزول لأن أسباب النزول غير خاضعة للاجتهاد فيكون قول الصحابي حكمه الرفع، أما ما يرويه التابعون من أسباب النزول، فهو مرفوع أيضاً، لكنه مرسل، لعدم ذكر الصحابي.

لكن ينبغي الحذر والتيقظ، فلا نخلط بأسباب النزول ما ليس منها، فقد يقع على لسانهم قولهم: نزلت هذا الآية في كذا ويكون المراد موضوع الآية، أو ما دلت عليه من الحكم.

للاعلى

هـ- صيغة السبب:

-1تكون نصحاً صريحاً في السببية إذا صرح الراوي بالسبب بأن يقول: سبب نزول هذه الآية كذا، أو يأتي الراوي بفاء التعقيب بعد ذكر الحادثة، بأن يقول: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كذا، فنزلت الآية.

-2تكون محتملة للسببية إذا قال الراوي: أحسب هذه الآية نزلت في كذا، أو ما أحسب هذه الآية نزلت إلا في كذا، مثال ذلك ما حدث للزبير والأنصاري ونزاعهما في سقي الماء، وتشاكيا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ونفذ فيهما حكم الله، فكأن الأنصاري لم يعجبه هذه الحكم، فنزل قوله تعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} [ النساء: 65 ]. فقال الزبير ما أحسب هذه الآية إلا في ذلك.

للاعلى

و- اختلاف روايات أسباب النزول.

لما كان سبيل الوصول إلى أسباب النزول هو الرواية والنقل، كان لا بد أن يعرض لها ما يعرض للرواية من صحة وضعف، واتصال وانقطاع، غير أنا هنا على ظاهره هامة يحتاج الدارس إليها وهي اختلاف روايات أسباب النزول وتعددها، وذلك لأسباب يمكن تلخيص مهماتها فيما يلي:

للاعلى

-1ضعف الرواة:

وضعف الراوي يسبب له الغلط في الرواية، فإذا خالفت روايته المقبولين، كانت روايته مردودة.

ومن أمثلة ذلك: قوله تعالى: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [ البقرة: 115]. فقد ثبت أنها في صلاة التطوع للراكب المسافر على الدابة.

أخرج مسلم عن ابن عمر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وهو مقبل من مكة إلى المدينة على راحلته حيث كان وجهه، قال: وفيه نزلت: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ}. وأخرج الترمذي وضعّفه: أنها في صلاة من خفيت عليه القبلة فاجتهد فأخطأ القبلة، فإن صلاته صحيحة. فالمعوّل عليه هنا في سبب النزول الأول لصحته.

للاعلى

-2 تعدد الأسباب والمُنَزَّل واحد:

وذلك بأن تقع عدة وقائع في أزمنة متقاربة، فتنزل الآية لأجلها كلها، وذلك واقع في مواضيع متعددة من القرآن، والعمدة في ذلك على صحة الروايات، فإذا صحت الروايات بعدة أسباب ولم يكن ثمة ما يدل على تباعدها كان ذلك دليلاً على أن الكل سبب لنزول الآية والآيات.

مثال ذلك: آيات اللعان: فقد أخرج البخاري: أنها نزلت في هلال بن أمية لما قذف امرأته عند النبي صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ ..} [النور: 6].

وفي الصحيحين : أنها نزلت في عويمر العجلاني وسؤاله النبي صلى الله عليه وسلم عن الرجل يجد مع امرأته رجلاً…فقال صلى الله عليه وسلم: "إنه قد أنزل فيك وفي صاحبتك القرآن".

وظاهر الحديثين الاختلاف، وكلاهما صحيح.

فأجاب الإمام النووي: بأن أول من وقع له ذلك هلال، وصادف مجيىء عويمر أيضاً، فنزلت في شأنهما معاً.

للاعلى

-3 أن يتعدد نزول النص لتعدد الأسباب:

قال الإمام الزركشي: وقد ينزل الشيء مرتين تعظيماً لشأنه، وتذكيراً به عند حدوث سببه خوف نسيانه … ولذلك أمثلة، منها:

ما ثبت في الصحيحين: عن عبد الله بن مسعود في قوله تعالى: {ويسألونك عن الروح} أنها نزلت لما سأله اليهود عن الروح وهو في المدينة، ومعلوم أن هذه الآية في سورة " سبحان " - أي الإسراء وهي مكية بالاتفاق ، فإن المشركين لما سألوه عن ذي القرنين وعن أهل الكهف قبل ذلك بمكة، وأن اليهود أمروهم أن يسألوه عن ذلك، فأنزل الله الجواب، كما سبق بيانه.

ولا يقال: كيف يتعدد النزول بالآية الواحدة، وهو تحصيل حاصل؟

فالجواب: أن لذلك فائدة جليلة ، والحكمة من هذا - كما قال الزركشي - أنه قد يحدث سبب من سؤال أو حادثة تقتضي نزول آية ، وقد نزل قبل ذلك ما يتضمنها، فتؤدي تلك الآية بعينها إلى النبي صلى الله عليه وسلم تذكيراً لهم بها ، وبأنها تتضمن هذه .

للاعلى

ز- تعدد النزول مع وحدة السبب

-1قد يتعدد ما ينزل والسبب واحد ومن ذلك ما روي عن أم سلمة رضي الله عنها قالت : يا رسول الله، لا أسمع الله ذكر النساء في الهجرة بشيء، فأنزل الله {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ} [ آل عمران:195 ].

-2عن أم سلمة قالت: يا رسول الله ما لنا لا نذكر في القرآن كما يذكر الرجال، فأنزلت: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ} [الأحزاب: 35].

-3عن أم سلمة أنها قالت: تغزوا الرجال ولا تغزوا النساء، وإنما لنا نصف الميراث، فأنزل الله: {وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ} [ النساء: 32 ] .

للاعلى

حـ- تقدم نزول الآية على الحكم

-1 المثال الأول: قوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى} [الأعلى: 14] استدل بها على زكاة الفطر، والآية مكية، وزكاة الفطر في رمضان، ولم يكن في مكة عيد ولا زكاة.

-2المثال الثاني: قوله تعالى: {لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ * وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ} [البلد: 1-2] السورة مكية، وقد ظهر أثر الحل يوم فتح مكة، حتى قال صلى الله عليه وسلم: " أحلت لي ساعة من نهار ".

-3 المثال الثالث: قوله تعالى: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} [ القمر: 45] قال عمر ابن الخطاب: كنت لا أدري أي الجمع يهزم؟ فلما كان يوم بدر رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ}.

ط- تعدد ما نزل في شخص واحد.

-1 موافقات عمر بن الخطاب رضي الله عنه:

أخرج البخاري عن أنس قال: قال عمر: وافقت ربي في ثلاث. قلت: يا رسول الله لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى، فنزلت: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [ البقرة: 125].

وقلت يا رسول الله: إن نساءك يدخل عليهن البر والفاجر، فلو أمرتهن أن يحتجبن، فنزلت آية الحجاب، واجتمع على رسول الله صلى الله عليه وسلم نساؤه في الغيرة، فقلت لهن: {عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ} [التحريم: 5] فنزلت كذلك.

-2 نزلت آيات في سعد بن أبي وقاص: قال: كانت أمي حلفت ألا تأكل ولا تشرب حتى أفارق محمد صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا} [لقمان: 15].

الآية الثانية: يقول سعد: أخذت سيفاً فأعجبني، فقلت: يا رسول الله هب لي هذا، فنزلت سورة الأنفال.

للاعلى

ي- أمثلة عن أسباب النزول.

-1 قوله تعالى: {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنْ النَّاسِ} [البقرة: 142] نزلت في تحويل القبلة.

لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى نحو بيت المقدس ستة عشر شهراً أو سبعة عشر شهراً، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب أن يتوجه نحو الكعبة، فأنزل الله تعالى: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ} [البقرة: 144]، فقال السفهاء من الناس-وهم اليهود- {مَا وَلاَّهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمْ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا} قال الله تعالى: {قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ} [البقرة: 142].

-2 قوله تعالى: {يوصيكم الله في أولادكم} [النساء : 11].

عن جابر قال: عادني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر في بني سلمة يمشيان، فوجدني لا أعقل، فدعا بماء فتوضأ، ثم رش عليَّ منه فأفقت فقلت: كيف أصنع في مالي يا رسول الله؟ فنزلت: {يوصيكم الله في أولادكم}.

-3 قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [المائدة: 101].

عن ابن عباس قال: كان قوم يسألون النبي صلى الله عليه وسلم استهزاءً، فيقول الرجل: من أبي؟ ويقول الرجل تضل ناقته: أين ناقتي ؟ فأنزل الله تعالى فيهم هذه الآية.

-4قوله تعالى: {وَأَقِمْ الصَّلاةَ طَرَفِي النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنْ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود:114].

عن عبد الله قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني عالجت امرأة في أقصى المدينة وإني أصبت منها ما دون أن آتيها وأنا هذا فاقض فيّ ما شئت، قال: فقال عمر: لقد سترك الله لو سترت نفسك، فلم يرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً، فانطلق الرجل فأتبعه رجلاً ودعاه، فتلا عليه هذه الآية، فقال الرجل: يا رسول الله هذا له خاصة؟ قال: " لا، بل للناس كافة ".

-5 قوله تعالى: {وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا} [ الإسراء: 110].

عن عباس قال: نزلت ورسول الله صلى الله عليه وسلم مختف بمكة، وكانوا إذا سمعوا القرآن سبوا القرآن ومن أنزله ومن جاء به، فقال الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم: {وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ} أي بقراءتكم فيسمع المشركون فيسبوا القرآن {وَلا تُخَافِتْ بِهَا} عن أصحابك فلا يسمعون {وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلا}.

-6 قوله تعالى: {وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ} [ النور: 33 ].

عن جابر قال: كان لعبد الله بن أبي جاريه يقال لها: مسيكة، فكان يكرهها على البغاء، فأنزل الله عز وجل: {وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ}.

-7 قوله تعالى: {وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا} [ العنكبوت: 8 ] عن سعد بن أبي وقاص عن أبيه أنه قال: نزلت هذه الآية فيّ، قال: حلفت أم سعد لا تكمله أبداً حتى يكفر بدينه، ولا تأكل ولا تشرب، ومكثت ثلاثة أيام حتى غشي عليها الجهد، فأنزل الله تعالى: {وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا}.

-8 قوله تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ} [الزمر: 53].

عن أبن عباس أن ناساً من أهل الشرك كانوا قد قتلوا فأكثروا وزنوا فأكثروا، ثم أتوا محمداً صلى الله عليه وسلم فقالوا: إن الذي تقول وتدعو إليه لحسن، لو تخبرنا أن لما عملناه كفارة، فنزلت هذه الآية: {قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا...}.

للاعلى
©جميع حقوق النشر محفوظة لاذاعة القرآن الكريم

الصفحة الرئيسية للشاشة 600*800

اسباب نزول القرآن

أسباب النزول
أ- تعريف السبب
ب-
قسم نزل بدون سبب وهو أكثر القرآن
قسم نزل مرتبط بسبب من الأسباب
جـ- الحكمة والفوائد من أسباب النزول
د-كيفية معرفة أسباب النزول
هـ- صيغة السبب
و- اختلاف روايات أسباب النزول
أ- ضعف الرواة

ب- تعدد الأسباب والمُنَزَّل واحد
ج- أن يتعدد نزول النص لتعدد الأسباب
ز- تعدد النزول مع وحدة السبب
حـ- تقدم نزول الآية على الحكم (المثال الأول - المثال الثاني -المثال الثالث - تعدد ما نزل في شخص واحد -موافقات عمر بن الخطاب رضي الله عنه -نزلت آيات في سعد بن أبي وقاص)
ي- أمثلة عن أسباب النزول



أ- تعريف السبب:

لغة: الحبل. ثم استعمل لكل شيء يتوصل به إلى غيره.

شرعاً: ما يكون طريقاً للوصول إلى الحكم غير مؤثر فيه. مثاله: زوال الشمس علامة لوجوب الصلاة، وطلوع الهلال علامة على وجوب صوم رمضان في قوله تعالى: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185].

للاعلى

ب-أسباب النزول:

-1 قسم نزل بدون سبب ، وهو أكثر القرآن.

-2 قسم نزل مرتبط بسبب من الأسباب. ومن هذه الأسباب:

أ- حدوث واقعة معينة فينزل القرآن الكريم بشأنها:

عن ابن عباس قال: لما نزلت: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} [ الشعراء: 214]. خرج النبي صلى الله عليه وسلم حتى صعد الصفا، فهتف: يا صباحاه، فاجتمعوا إليه فقال" أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلاً تخرج بسفح هذا الجبل أكنتم مصدقي؟.." الحديث ، فقال أبو لهب تباً لك، إنما جمعتنا لهذا، ثم قام، فنزل قوله تعالى: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} [المسد: 1].

ب-أن يُسال الرسول صلى الله عليه وسلم عن شيء، فينزل القرآن ببيان الحكم مثال ذلك: عن عبد الله قال: إني مع النبي صلى الله عليه وسلم في حرث بالمدينة وهو متكىء على عسيب، فمر بنا ناس من اليهود فقالوا: سلوه عن الروح، فقال بعضهم: لا تسألوه فيستقبلكم بما تكرهون، فأتاه نفر منهم فقالوا له: يا أبا القاسم ما تقول في الروح؟ فسكت، ثم قام، فأمسك وجهه بيده على جبهته، فعرفت أنه ينزل عليه، فأنزل الله عليه: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الرُّوحِ قُلْ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ الْعِلْمِ إِلا قَلِيلا} [الإسراء: 85].

للاعلى

جـ- الحكمة والفوائد من أسباب النزول:

-1الحكمة:

أ- معرفة وجه ما ينطوي عليه تشريع الحكم على التعيين لما فيه نفع المؤمنين وغير المؤمنين، فالمؤمن يزداد إيماناً على إيمانه لما شاهده وعرف سبب نزوله، والكافر إن كان منصفاً يبهره صدق هذه الرسالة الإلهية فيكون سبباً لإسلامه، لأن ما نزل بسبب من الأسباب إنما يدل على عظمة المُنزل وصدق المُنزَل عليه.

-2الفوائد:

أ- الاستعانة على فهم الآية وتفسيرها وإزالة الإشكال عنها، لما هو معلوم من الارتباط بين السبب والمسبب.

قال الواحدي: لا يمكن تفسير الآية دون الوقوف على قصتها وبيان نزولها.

قال ابن دقيق العيد: بيان سبب النزول طريق قوي في فهم معاني القرآن.

قال ابن تيمية: معرفة سبب النزول يعين على فهم الآية، فإن العلم بالسبب يورث العلم بالمسبب.

وقد أشكل على مروان بن الحكم قوله تعالى: {لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوا...} [آل عمران: 188].

وقال: لئن كان كل امرىء فرح بما أُوتي، وأحب أن يحمد بما لم يفعل معذباً، لنعذبنَّ أجمعون، حتى بين له ابن عباس أن الآية نزلت في أهل الكتاب حين سألهم النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء، فكتموه إياه، وأخبروه بغيره، وأَرَوْه أنهم أخبروه بما سألهم عنه، واستحمدوا بذلك إليه.

ب- أن لفظ الآية يكون عاماً، ويقوم الدليل على تخصيصه، فإذا عُرف السبب قصر التخصيص على ما عدا صورته.

جـ- دفع توهم الحصر، قال الإمام الشافعي ما معناه في قوله تعالى: {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا...} [الأنعام: 145]: إن الكفار لما حرموا ما أحل الله، وأحلوا ما حرم الله، وكانوا على المضادة - أي تصرفهم بقصد المخالفة - جاءت الآية مناقضة لغرضهم فكأنه قال: لا حلال إلا ما حرمتموه، ولا حرام إلا ما أحللتموه.

للاعلى

د-كيفية معرفة أسباب النزول:

لما كان سبب النزول أمراً واقعاً نزلت بشأنه الآية، كان من البَدَهي ألا يدخل العلم بهذه الأسباب في دائرة الرأي والاجتهاد، لهذا قال الإمام الواحدي: ولا يحل القول في أسباب النزول إلا بالرواية والسماع ممن شاهدوا التنزيل ووقفوا على الأسباب، وبحثوا عن علمها.

ومن هنا نفهم تشدد السلف في البحث عن أسباب النزول، حتى قال الإمام محمد بن سيرين: سألت عَبيدَةَ عن آية من القرآن، فقال: اتق الله وقل سداداً، ذهَب الذين يعلمون فيما أنزل القرآن.

وقد اتفق علماء الحديث على اعتبار قول الصحابي في سبب النزول لأن أسباب النزول غير خاضعة للاجتهاد فيكون قول الصحابي حكمه الرفع، أما ما يرويه التابعون من أسباب النزول، فهو مرفوع أيضاً، لكنه مرسل، لعدم ذكر الصحابي.

لكن ينبغي الحذر والتيقظ، فلا نخلط بأسباب النزول ما ليس منها، فقد يقع على لسانهم قولهم: نزلت هذا الآية في كذا ويكون المراد موضوع الآية، أو ما دلت عليه من الحكم.

للاعلى

هـ- صيغة السبب:

-1تكون نصحاً صريحاً في السببية إذا صرح الراوي بالسبب بأن يقول: سبب نزول هذه الآية كذا، أو يأتي الراوي بفاء التعقيب بعد ذكر الحادثة، بأن يقول: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كذا، فنزلت الآية.

-2تكون محتملة للسببية إذا قال الراوي: أحسب هذه الآية نزلت في كذا، أو ما أحسب هذه الآية نزلت إلا في كذا، مثال ذلك ما حدث للزبير والأنصاري ونزاعهما في سقي الماء، وتشاكيا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ونفذ فيهما حكم الله، فكأن الأنصاري لم يعجبه هذه الحكم، فنزل قوله تعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} [ النساء: 65 ]. فقال الزبير ما أحسب هذه الآية إلا في ذلك.

للاعلى

و- اختلاف روايات أسباب النزول.

لما كان سبيل الوصول إلى أسباب النزول هو الرواية والنقل، كان لا بد أن يعرض لها ما يعرض للرواية من صحة وضعف، واتصال وانقطاع، غير أنا هنا على ظاهره هامة يحتاج الدارس إليها وهي اختلاف روايات أسباب النزول وتعددها، وذلك لأسباب يمكن تلخيص مهماتها فيما يلي:

للاعلى

-1ضعف الرواة:

وضعف الراوي يسبب له الغلط في الرواية، فإذا خالفت روايته المقبولين، كانت روايته مردودة.

ومن أمثلة ذلك: قوله تعالى: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [ البقرة: 115]. فقد ثبت أنها في صلاة التطوع للراكب المسافر على الدابة.

أخرج مسلم عن ابن عمر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وهو مقبل من مكة إلى المدينة على راحلته حيث كان وجهه، قال: وفيه نزلت: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ}. وأخرج الترمذي وضعّفه: أنها في صلاة من خفيت عليه القبلة فاجتهد فأخطأ القبلة، فإن صلاته صحيحة. فالمعوّل عليه هنا في سبب النزول الأول لصحته.

للاعلى

-2 تعدد الأسباب والمُنَزَّل واحد:

وذلك بأن تقع عدة وقائع في أزمنة متقاربة، فتنزل الآية لأجلها كلها، وذلك واقع في مواضيع متعددة من القرآن، والعمدة في ذلك على صحة الروايات، فإذا صحت الروايات بعدة أسباب ولم يكن ثمة ما يدل على تباعدها كان ذلك دليلاً على أن الكل سبب لنزول الآية والآيات.

مثال ذلك: آيات اللعان: فقد أخرج البخاري: أنها نزلت في هلال بن أمية لما قذف امرأته عند النبي صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ ..} [النور: 6].

وفي الصحيحين : أنها نزلت في عويمر العجلاني وسؤاله النبي صلى الله عليه وسلم عن الرجل يجد مع امرأته رجلاً…فقال صلى الله عليه وسلم: "إنه قد أنزل فيك وفي صاحبتك القرآن".

وظاهر الحديثين الاختلاف، وكلاهما صحيح.

فأجاب الإمام النووي: بأن أول من وقع له ذلك هلال، وصادف مجيىء عويمر أيضاً، فنزلت في شأنهما معاً.

للاعلى

-3 أن يتعدد نزول النص لتعدد الأسباب:

قال الإمام الزركشي: وقد ينزل الشيء مرتين تعظيماً لشأنه، وتذكيراً به عند حدوث سببه خوف نسيانه … ولذلك أمثلة، منها:

ما ثبت في الصحيحين: عن عبد الله بن مسعود في قوله تعالى: {ويسألونك عن الروح} أنها نزلت لما سأله اليهود عن الروح وهو في المدينة، ومعلوم أن هذه الآية في سورة " سبحان " - أي الإسراء وهي مكية بالاتفاق ، فإن المشركين لما سألوه عن ذي القرنين وعن أهل الكهف قبل ذلك بمكة، وأن اليهود أمروهم أن يسألوه عن ذلك، فأنزل الله الجواب، كما سبق بيانه.

ولا يقال: كيف يتعدد النزول بالآية الواحدة، وهو تحصيل حاصل؟

فالجواب: أن لذلك فائدة جليلة ، والحكمة من هذا - كما قال الزركشي - أنه قد يحدث سبب من سؤال أو حادثة تقتضي نزول آية ، وقد نزل قبل ذلك ما يتضمنها، فتؤدي تلك الآية بعينها إلى النبي صلى الله عليه وسلم تذكيراً لهم بها ، وبأنها تتضمن هذه .

للاعلى

ز- تعدد النزول مع وحدة السبب

-1قد يتعدد ما ينزل والسبب واحد ومن ذلك ما روي عن أم سلمة رضي الله عنها قالت : يا رسول الله، لا أسمع الله ذكر النساء في الهجرة بشيء، فأنزل الله {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ} [ آل عمران:195 ].

-2عن أم سلمة قالت: يا رسول الله ما لنا لا نذكر في القرآن كما يذكر الرجال، فأنزلت: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ} [الأحزاب: 35].

-3عن أم سلمة أنها قالت: تغزوا الرجال ولا تغزوا النساء، وإنما لنا نصف الميراث، فأنزل الله: {وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ} [ النساء: 32 ] .

للاعلى

حـ- تقدم نزول الآية على الحكم

-1 المثال الأول: قوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى} [الأعلى: 14] استدل بها على زكاة الفطر، والآية مكية، وزكاة الفطر في رمضان، ولم يكن في مكة عيد ولا زكاة.

-2المثال الثاني: قوله تعالى: {لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ * وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ} [البلد: 1-2] السورة مكية، وقد ظهر أثر الحل يوم فتح مكة، حتى قال صلى الله عليه وسلم: " أحلت لي ساعة من نهار ".

-3 المثال الثالث: قوله تعالى: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} [ القمر: 45] قال عمر ابن الخطاب: كنت لا أدري أي الجمع يهزم؟ فلما كان يوم بدر رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ}.

ط- تعدد ما نزل في شخص واحد.

-1 موافقات عمر بن الخطاب رضي الله عنه:

أخرج البخاري عن أنس قال: قال عمر: وافقت ربي في ثلاث. قلت: يا رسول الله لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى، فنزلت: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [ البقرة: 125].

وقلت يا رسول الله: إن نساءك يدخل عليهن البر والفاجر، فلو أمرتهن أن يحتجبن، فنزلت آية الحجاب، واجتمع على رسول الله صلى الله عليه وسلم نساؤه في الغيرة، فقلت لهن: {عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ} [التحريم: 5] فنزلت كذلك.

-2 نزلت آيات في سعد بن أبي وقاص: قال: كانت أمي حلفت ألا تأكل ولا تشرب حتى أفارق محمد صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا} [لقمان: 15].

الآية الثانية: يقول سعد: أخذت سيفاً فأعجبني، فقلت: يا رسول الله هب لي هذا، فنزلت سورة الأنفال.

للاعلى

ي- أمثلة عن أسباب النزول.

-1 قوله تعالى: {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنْ النَّاسِ} [البقرة: 142] نزلت في تحويل القبلة.

لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى نحو بيت المقدس ستة عشر شهراً أو سبعة عشر شهراً، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب أن يتوجه نحو الكعبة، فأنزل الله تعالى: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ} [البقرة: 144]، فقال السفهاء من الناس-وهم اليهود- {مَا وَلاَّهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمْ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا} قال الله تعالى: {قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ} [البقرة: 142].

-2 قوله تعالى: {يوصيكم الله في أولادكم} [النساء : 11].

عن جابر قال: عادني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر في بني سلمة يمشيان، فوجدني لا أعقل، فدعا بماء فتوضأ، ثم رش عليَّ منه فأفقت فقلت: كيف أصنع في مالي يا رسول الله؟ فنزلت: {يوصيكم الله في أولادكم}.

-3 قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [المائدة: 101].

عن ابن عباس قال: كان قوم يسألون النبي صلى الله عليه وسلم استهزاءً، فيقول الرجل: من أبي؟ ويقول الرجل تضل ناقته: أين ناقتي ؟ فأنزل الله تعالى فيهم هذه الآية.

-4قوله تعالى: {وَأَقِمْ الصَّلاةَ طَرَفِي النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنْ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود:114].

عن عبد الله قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني عالجت امرأة في أقصى المدينة وإني أصبت منها ما دون أن آتيها وأنا هذا فاقض فيّ ما شئت، قال: فقال عمر: لقد سترك الله لو سترت نفسك، فلم يرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً، فانطلق الرجل فأتبعه رجلاً ودعاه، فتلا عليه هذه الآية، فقال الرجل: يا رسول الله هذا له خاصة؟ قال: " لا، بل للناس كافة ".

-5 قوله تعالى: {وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا} [ الإسراء: 110].

عن عباس قال: نزلت ورسول الله صلى الله عليه وسلم مختف بمكة، وكانوا إذا سمعوا القرآن سبوا القرآن ومن أنزله ومن جاء به، فقال الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم: {وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ} أي بقراءتكم فيسمع المشركون فيسبوا القرآن {وَلا تُخَافِتْ بِهَا} عن أصحابك فلا يسمعون {وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلا}.

-6 قوله تعالى: {وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ} [ النور: 33 ].

عن جابر قال: كان لعبد الله بن أبي جاريه يقال لها: مسيكة، فكان يكرهها على البغاء، فأنزل الله عز وجل: {وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ}.

-7 قوله تعالى: {وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا} [ العنكبوت: 8 ] عن سعد بن أبي وقاص عن أبيه أنه قال: نزلت هذه الآية فيّ، قال: حلفت أم سعد لا تكمله أبداً حتى يكفر بدينه، ولا تأكل ولا تشرب، ومكثت ثلاثة أيام حتى غشي عليها الجهد، فأنزل الله تعالى: {وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا}.

-8 قوله تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ} [الزمر: 53].

عن أبن عباس أن ناساً من أهل الشرك كانوا قد قتلوا فأكثروا وزنوا فأكثروا، ثم أتوا محمداً صلى الله عليه وسلم فقالوا: إن الذي تقول وتدعو إليه لحسن، لو تخبرنا أن لما عملناه كفارة، فنزلت هذه الآية: {قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا...}.

للاعلى
©جميع حقوق النشر محفوظة لاذاعة القرآن الكريم

الصفحة الرئيسية للشاشة 600*800

أسباب النزول

أسباب النزول

الجمعة، 9 سبتمبر 2011

أحاديث وردت في فضل القرآن الكريم

أحاديث وردت في فضل القرآن الكريم



أهل القرآن هم أهل الله

عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن لله تعالى أهلين من الناس . قالوا : يا رسول الله من هم ؟ قال : هم أهل القران أهل الله وخاصته ) . (صحيح الجامع2165)

حديث أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ( اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه ) . (صحيح مسلم)

صاحب القرآن يرتقى في درجات الجنة بقدر ما معه من الآيات

عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( يقال لصاحب القران اقرأ وارتق ورتل كما كنت ترتل في الدنيا فإن منزلتك عند آخر آية تقرؤها ) . (صحيح الجامع8122)

القرآن يقدم صاحبه عند الدفن

حديث جابر رضي الله عنه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع بين الرجلين من قتلى أحد في ثوب واحد ثم يقول : أيهم أكثر أخذاً للقرآن ؟ فإذا أشير إلى أحدهما قدمه في اللحد . (صحيح البخاري)

نزول الملائكة والسكينة والرحمة للقرآن وأهله

حديث أبى هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه فيما بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده ) . (صحيح مسلم) ( يتلون كتاب الله ويتدارسونه ) أي يتعاهدونه خوف النسيان .

مضاعفة ثواب قراءة الحرف الواحد من القرآن أضعافاً كثيرة

حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنة ، والحسنة بعشر أمثالها لا أقول (الم) حرف ولكن : ألف حرف ولام حرف ، وميم حرف ) . (صحيح الجامع 6469)

إكرام حامل القرآن من إجلال الله تعالى

عن أبى موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه وإكرام ذي السلطان المقسط ) . (حسن) (صحيح الجامع 2199)

( إن من إجلال الله ) أي تبجيله وتعظيمه ، ( غير الغالي فيه ) الغلو التشديد ومجاوزة الحد ( والجافي عنه ) أي وغير المتباعد عنه المعرض عن تلاوته وإحكام قراءته ومعرفة معانيه والعمل بما فيه .

صاحب القرآن يلبس حلة الكرامة وتاج الكرامة

حديث أبى هريرة رضي الله عنه : عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( يجيء صاحب القرآن يوم القيامة ، فيقول : يا رب حله ، فيلبس تاج الكرامة . ثم يقول : يا رب زده فيلبس حلة الكرامة ، ثم يقول : يا رب ارض عنه ، فيقال اقرأ وارق ويزاد بكل آية حسنة ) . (حسن) (صحيح الجامع8030)

القرآن يرفع صاحبه

قال عمر رضي الله عنه : أما إن نبيكم صلى الله عليه وسلم قد قال : ( إن الله يرفع بهذا الكتاب أقواماً ويضع به آخرين ) . (صحيح مسلم) ( يرفع بهذا الكتاب ) : أي بقراءته والعمل به ( ويضع به ) : أي بالإعراض عنه وترك العمل بمقتضاه .

خيركم من تعلم القرآن وعلمه

حديث عثمان رضي الله عنه : عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( خيركم من تعلم القرآن وعلمه ) . (صحيح البخاري)

وصية النبي صلى الله عليه وسلم بالقرآن

قال طلحة بن مصرف : سألت عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنهما : هل كان النبي صلى الله عليه وسلم أوصى ؟ فقال : لا . فقلت : كيف كتب على الناس الوصية أو أمروا بالوصية ؟ قال : ( أوصى بكتاب الله) . (صحيح البخاري)

قال الحافظ : قوله ( كيف كتب على الناس الوصية ) أو كيف ( أمروا بالوصية ) أي كيف يؤمر المسلمون بشيء ولا يفعله النبي صلى الله عليه وسلم .

دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لتلاء القرآن بالرحمة

حديث ابن عباس رضي الله عنهما : أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل قبراً ليلاً . فأسرج له سراج فأخذه من قبل القبلة وقال : ( رحمك الله إن كنت لأواهاً تلاء للقرآن ) وكبر عليه أربعاً . (قال الترمذي : حديث حسن)

فضيلة حافظ القرآن

حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن كمثل الأترجة ، ريحها طيب وطعمها طيب . ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن كمثل التمرة ، لا ريح لها وطعمها حلو . ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن مثل الريحانة ، ريحها طيب وطعمها مر ، ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة ، ليس لها ريح وطعمها مر ) . (البخاري ومسلم)

فضل الماهر بالقرآن والذي يتتعتع فيه

حديث عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( مثل الذي يقرأ القرآن وهو حافظ له مع السفرة الكرام ، ومثل الذي يقرأ وهو يتعاهده ، وهو عليه شديد فله أجران ) . (البخاري ومسلم)

( السفرة ) هم هنا الذين ينقلون من اللوح المحفوظ .

أذِن الله تعالى لمن يتغنى بالقرآن

حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه كان يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ما أذِن الله لشيء ما أذن لنبي يتغنى بالقرآن ) . (البخاري ومسلم)

معنى قوله ( أذِن ) استمع ، ومعنى قوله ( يتغنى بالقرآن ) تحسين الصوت .

غبطة صاحب القرآن

عن ابن عمر رضى الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا حسد إلا في اثنتين : رجل آتاه الله القرآن فهو يتلوه آناء الليل وآناء النهار ورجل آتاه الله مالاً فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار ). (البخاري ومسلم)

الحسد المذكور في الحديث هو الغبطة .

حفظ القرآن خير من متاع الدنيا

عن عقبة بن عامر الجهني قال : خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في الصفة فقال : ( أيكم يحب أن يغدو إلى بطحان والعقيق فيأخذ ناقتين كوماوين زهراوين بغير إثم بالله ولاقطع (قطيعة) رحم ؟ ) قالوا : كلنا يا رسول الله ، قال : ( فلئن يغدو أحدكم كل يوم إلى المسجد فيتعلم آيتين من كتاب الله خيرا له من ناقتين وإن ثلاث فثلاث مثل أعدادهن من الإبل ) .

فضائل متنوعة

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكي يقول : يا ويله ) وفي رواية (ياويلى) ( أمر ابن آدم بالسجود فسجد فله الجنة وأمرت بالسجود فأبيت فلي النار ) . (صحيح مسلم)

الله تعالى يباهى بالمجتمعين على القرآن الملائكة

عن معاوية رضى الله عنه : أن الرسول صلى الله عليه وسلم خرج على حلقة من أصحابه فقال : ( ما يجلسكم ؟ ) فقالوا : جلسنا نذكر الله تعالى ونحمده على ما هدانا الإسلام ، و من علينا به . فقال : ( أتاني جبريل صلى الله عليه وسلم فأخبرني أن الله تعالى يباهي بكم الملائكة ) . (صحيح مسلم)



* www.quransite.com *